كُنت أثناء عملي لدى وزارة المعارف معارا إلى أول شركة تدير الهاتف الأوتوماتيكي. وكان اسمها (إبكو) ثم جاءت شركة فرنسية سموها (سعودي تل). وكان عملي آنذاك مُترجما ومساعدا إداريا. وأهم ما كان يُقلق الشركتين -غير الأعمال الفنية والفسوحات- كثرة الإلحاح من الجمهور، خصوصا ممن بيدهم أوامر سرعة التنفيذ. فكانت تأتي إلى وزير المواصلات آنذاك تعميدات تقول: نظرا لحاجتنا للموظف لدينا/ فلان بن فلان في غير أوقات الدوام، اعتمدوا إدخال الهاتف إلى منزله الكائن بال(..) وذلك على حساب هذه الوزارة / الجهة. ووجدت شركة الهاتف نفسها في آخر المطاف «مكتب تحصيل» مستحقات. ثم إن ذاك الهاتف يصبح بقدرة قادر رسميا (بسنع الحكومة!) لا يجوز فصله عند تأخير أو الامتناع عن التسديد. والنتيجة أن حملت الشركة عصاها ورحلت. حتى لو كان الهاتف تسويقيا، أي من أجل سرعة إيجار العقار فالموظف الذكي يستطيع تحقيق المطلب بالحصول على «أمر» ثم وجدت الشركة نفسها تتقاضى فقط من تجار عاديين، وأصحاب مستودعات وورش ومقاولي تنفيذ. أي أن نسبة كبيرة من موظفي القطاع العام (تحتاجهم الدولة.! في غير أوقات الدوام!). تعب المسئولون الكبار من إصدار تلك التعميدات، فصاروا يمضونها على ورق الحرير المعروف وتُطبع بالإستنسل. تلَتْ تلك خدمة هواتف السيارات فجعلوها ترتبط بالمرتبة الوظيفية (ربما لأن الحاجة تدعو للاتصال بالمسئول أثناء سيره.. !)، وكانت مجانا أيضا. والذي قفز على تلك الإشكالات عندما طبقت شركات الاتصالات الحوسبة. وتسابق لقوم إلى تسديد قيم مكالماتهم في وقتها. مثال آخر يقترب من الموضوع. وهو عندما اعتمدت رئاسة الطيران المدني بالمملكة العربية السعودية اللائحة الخاصة باشتراكات استخدام صالة كبار الشخصيات، أو المعروفة باسم (المكاتب التنفيذية) في المطارات السعودية. وعندما أصبح الموضوع يحتاج إلى اشتراك مالي سنوي لكي يُحيل المسافر العادي إلى «تنفيذي» أنكر الناس ذاتهم المصطنعة، وثبت لهم أن السفر مع عامة الناس لا ينقصهم شيئا.