العالم الأسكتلندي السير ألكسندر فلمنغ اشتهر كباحث رائع. وقد ساءه أن كثيرا من ضحايا الحرب العالمية الأولى ماتوا نتيجة المطهرات. أمضى وقتا طويلا في البحث عن مضادات للبكتريا من خلال زراعة البكتريا في أطباق صغيرة وتجربة عدة مستحضرات لقتل البكتريا أو منع تكاثرها. لم يشتهر السير فلمنغ كباحث بارع فقط بل اشتهر بقذارة معمله "بلهجتنا المحلية طمالة" جهز أطباق زراعة البكتريا في زاوية ذلك المعمل وذهب في إجازة عائلية صيفية. وعندما عاد وجد أن العفن قد تكاثر في زاوية المعمل وامتد إلى أحد أطباق البكتريا المزروعة. ولأنه باحث بارع فقد لاحظ أن المنطقة المجاورة للعفن خالية من البكتريا، بينما غطت بقية الأسطح البعيدة عن العفن. فقال لابد أن العفن يفرز مادة تقتل البكتريا. فعمد إلى زراعة العفن واستخلاص عصارته وكان يسميها عصارة العفن. ثم بعد ذلك سماها البنسلين كأول مضاد حيوي. وأسميها الذهب الأبيض "white gold". طبعا البنسلين كان فاتحة الصناعات الدوائية ومنذ ذلك الوقت إلى الآن تم صناعة آلاف المضادات الحيوية، بطرق حديثة بدون الحاجة إلى زراعة العفن. في مقابل ذلك كلنا نعرف الذهب الأسود "النفط" فقد استخدم منذ عصور البابليين كعلاج وكوقود. في عام 1850 تم استخلاص الكيروسين من النفط الخام ليستخدم في الإضاءة والتدفئة. ثم أمكن تكرير النفط إلى مركبات تمد بوقود لكل مناحي الحياة ثم انتجت المواد البتروكيميائية لتدخل في صناعات لا تحصى. وما يعنيني أننا لانزال نحتاج إلى البحث عن النفط في جوف الأرض. ولو قارنا ذلك بالبنسلين فإن ذلك يعادل البحث عن العفون في مكبات القمامة للحصول على المزيد من البنسلين. برغم أننا ندرك التركيب الكيميائي لكل مركب من مركبات النفط إلا أننا لازلنا نحتاج للتنقيب والحفر والضخ والتكرير مع مايصاحب ذلك من تلوث في كل مرحلة من مراحل تصنيع النفط. في المجال الصناعي العضوي هناك طريقة حديثة نسبيا يمكن تسميتها التصنيع التسلسلي حيث يمكن استنساخ عدد لامحدود من الجزيئات المطابقة من جزيء واحد فقط. بل يمكن تحديد المنطقة المسؤولة عن التلوث والتخلص منها. ما أستغربه فعلا هو عدم التقدم في تصنيع الوقود من مواده الأولية بدلا من النفط وتلويثه أو الوقود الحيوي الذي ياتي على حساب الغذاء. هل نرى جامعة الملك عبد الله تتبنى مثل هذه الأبحاث. وهل استطاعت جامعة البترول والمعادن أن تقدم خلال عمرها المديد شيئا في هذا المجال. العلم هو المستقبل.