يقول مخلد عند باب الحرم وَنْ بالمدَّعَى يا عارفين المكانِ أقدامنا واقدام خلِّى تَنَاصَن في مطرح عنه الطريق يْحدانى لست أول من ترديه سهام حمام مكة، ولست بآخرهم، فاغنم السلامة يا فتى، ثم ماذا أيها الشاعر؟ أول عذاب القلب من عنبر خَنْ والمسك والريحان والزعفرانِ واتلا عذاب القلب شقرٍ يهلّنْ على عنَيْقٍ كنّه الخيزرانِ ما هذه الخلطة من الروائح العطرة؟ أهذا متجر عطار متحرك؟ لقد كان الفضل في المدعى يقدم أعبق العطور الزكية، قبل أن تلعب الصناعة دوراً في تدوير العطور، وآه من أتلى عذاب قلبك، ذاك ما يرف بالعبق، يحجب الجيد الخيزراني حيناً ثم يفضحه، نافحا العبق يمنة ويسرة فما أدراك عنبرا كان أو مسكاً أو ريحاناً كان أو زعفرانا، السفر مرهق يا مخلد وأمامك مسافة حتى تبلغ المعابدة حيث الركب في انتظارك لتقول لهم: جاني يجر هدوم ما ادري وشِنْهِنْ لا بس على الدفّة حرير يماني إنها رداء الهنود الميمن الساري، عد إلى الدرّاعة، فما أبسطها وما أجملها على القوام الصحراوي. وما هذه المعاناة يا مخلد اثنا عشر عاماً؟ ما أقواك على الصبر، وما أصبرك على الاتكال والظن والصيام: أربع سنين اقرع كما يقرع الشن يا واصلينه خبروه بمكاني واربع سنينٍ حب سيدي على ظن واربع سنين زادنا ما هناني ودي أسايل عنه واقول من من لو كان سيدي خابره ما غواني أطمئنك ليس قبليا، هل غيرت رأيك فيه؟ يبدو إصرارك وفاءً له وضربا بمعايير القبيلة، يستاهل تجهيز الجيوش للبحث عنه: عشرين منظية من الجيش ينقن أيضا ويقفاهن عشر وثماني عشرين منهن مع شفا نجد هفّن وعشرين منهن يم وادى قْحطَاني وعشرين منهن في المدينة يرسَّن وثمان منها يم وادى شْهراني والعشر الأخرى في سويقة يحلوَنْ ويدورونه في الغبا والبيانِ اختلف معك في عشر سويقة، قد تخيفه، إلا أن تقول: إن الأفيال لم تخفه من قبل، فربما امتطاها في سهول «كيرلا»، وسويقة معروفة بأناقة سوقها، وميعة روادها، فقد تخيفهم مرابطة نوقك وجمالك، إذهب أنت واجلس في سويقة فقد تراه هناك، فمن المحتمل ألا يراك وحوله الحراس من المطوفين الذين قد يجدوا فيه ما وجدت، وفي سويقة قد تراه أو ترى زيد الذي شغل شاعراً آخر مثلك حين قال: زيد قال لي سلام وقلت له يا هلا واحترف لي بدلة ما اعرف صْفاتها ريحة الهيل في الفنجان يوم امتلا مثل ريحة سويقة يوم عجّاتها نسيت أن أذكرك يا مخلد: أبعد اثني عشر عاماً من البحث تظن أن ملامحه لم تتغير؟ أم هم الشعراء يقولون ما لا يفعلون؟ لا بأس يا مخلد لقد وضعت شروطك وحددت المواعيد فعسى أن يفلح هذا الجيش العرمرم: أوسط وعد ليلة فطور يهلَّن واول وعد ليلة هلال رمضانِ وآخر وعد يوم المحامل يدقَّن في لمة الحجاج ليلة ثمانِ إن كان جابنَّ الحبيّب عليهن أبى انشر البيضا والج الغناني وان كان ما اجزيته على الله جزاهن والموت خير من الهوى والهوانِ عهدي بهم يوم المحامل تصاكَّنْ في لمة الحجاج يوم الثماني نعم نَعْرف ذلك ونعرف أنك اخترت الأردن منتحى، بعيداً عن الحجاج والعجاج، وطاب لك المقام وعدت عوداً حميداً إلى ربوعك تبث ابداعك في ربوعها، رحمك الله رحمة واسعة. مخلد الذيابي شاعر مبدع، ليست هذه الأبيات من عيون شعره، ولكن طرافتها ساقتها إليكم، فله من القصائد البديعة الطوال ما يضيق المجال من استعراضها، وهو معروف وله ديوان شعري لم يكن في متناول يدي اليوم، وقد اخترت هذه الأبيات من ديوان «الازهار النادية من اشعار البادية» للمرحوم محمد سعيد كمال. ومخلد الذيابي أثرى الأدب والإعلام بشعراء واعلاميين على راسهم مطلق مخلد الذيابي رحمه الله وياسر الذيابي حفظه الله وغيرهم، ولعل لنا عودة.