ماذا بقي من لبنان ليحتفظ باسمه ، بعد أن حوّله السيد حسن نصر الله .. إلى جمهورية الحزب الإلهي الإسلامية ؟ .. لقد أسقط القرار الاتهامي الذي طال بعض قيادات الحزب العسكرية .. القناع عن كل ما كان يردده نصر الله بأنهم هم من يُريد العبور إلى الدولة ، خاصة بعدما أشار في خطابه الأخير .. إلى أنه ليس هنالك أيّ قوة تستطيع أن تصل إلى عناصره .. لا اليوم ولا غداً ولا بعد سنة ، ولا ثلاثمائة سنة. حسن نصر الله الذي وصف حزبه ذات يوم بأنه حزب إلهي ، يقوم على مبادئ المقاومة والممانعة وما إلى ذلك ، ورفض توصيف ما يقوم به الحزب في هذا الإطار ، بأنه عمل سياسي ، بدا بعد أن أصبح في قفص الاتهام أمام العدالة الدولية .. رجلًا ثلاثي الأبعاد ، فهو رجل سياسة ، ليس لديه أي مانع من الدخول في مماطلاتها ، وموارباتها .. متى استدعى الموقف أن يكون كذلك .. حتى لو ضربت بألاعيبها المعروفة ما يروج له عن نفسه كرجل دين ومبادئ ، وهو رجل دين ومرجعية دينية لا ينطق إلا بمبادئ الدين وعدالته .. متى استدعت المناسبة ذلك ، ثم هو فوق هذا وذاك - وهذا هو البعد الثالث الذي أفصح عنه خطابه الأخير- قائد تمرد .. ليس لديه أي مانع من التنكب لكل التزاماته التي سبق وأن قطعها على نفسه ، حتى وإن كان ذلك تمرداً على الدولة ، وشطباً لوجودها. هذه المساقات لايُمكن الجمع بينها .. إلا في شخصية سيكيو باتية ، تستطيع أن تقفل بمهارة الخطاب ، بين كل مساق وآخر .. بحيث لا يبدو المتحدث في كل مرّة شخصية واحدة ، تزعم أنها تستند إلى مرتكز ديني يجعلها أكثر تعففاً عن الإذعان لألاعيب السياسة وحساباتها ، وأنفاقها المظلمة ، والموقف نفسه من المحكمة الدولية التي قال فيما مضى : إنه وافق عليها في الحوار الوطني خلال عشر دقائق ، قبل أن يرفض قرارها الاتهامي بعد أن طال بعض عناصر حزبه ، كرره السيد في موقفه من الثورات العربية ، على طريقة الخيار والفقوس .. فثورة تونس ومصر وليبيا واليمن ومظاهرات البحرين .. هي في نظره ثورات شعوب ممانعة ترفض الإذعان والاستبداد ، في حين أن مظاهرات إيران ، وثورة سورية ، هما صنيعة الفوضى الخلاقة التي نادت بها السيدة كونداليزا رايس ، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة. السيد الذي اعتمر قبعة تشي غيفارا ، عندما كان يُحرض الحوثيين في اليمن ، ومن ثم الثوار في بعض العواصم العربية .. ما لبث أن رمى تلك القبعة تحت قدميه وداس عليها ، عندما دقت مطارق التغيير مسامير كرسي نجاد ، وكرسي الأسد ، وراح يُناصح الشعب الإيراني والسوري بالعودة إلى جنان بيوتهم ، لأن شوارع طهران ودمشق استباحتها المؤامرة (!!) ، أما بقية الشوارع العربية فهي تنتفض لكرامتها .. هكذا يرى السيد ، وعلى الآخرين التسليم بسياسة الخيار والفقوس ، وإلا فإنهم عملاء !.