أثناء حضوري لافتتاح مهرجان المسرح للفرق الأهلية سعدتُ بلقاء مجموعة من الروّاد الذين كان لهم دور في إثراء الساحة الثقافية بأعمالهم الإبداعية وساهموا في تأسيس البدايات. هؤلاء وغيرهم الكثير من الذين عملوا وضحوا وقدموا جهدهم وفكرهم لتشييد بنيان الثقافة والإبداع في وطننا؛ يحتلون مكانهم الراسخ في ذاكرة التاريخ.. ويبدو أنهم سيكتفون بذلك لأننا نُصرّ على أن يختفوا عن المشهد الإعلامي ونُرغمهم على الانزواء بتجاهلنا لهم. إن اختفاء الرواد والمبدعين ليس ناتجاً عن ضمور فكرهم أو تلاشي إبداعهم إنما لتكاثر طفيليات الفن والثقافة ونجوم الإعلام الجديد الذين أفسدوا الساحة حتى لم يعد فيها مكان للأنقياء الذين عشقوا الفن الأصيل وصنعوه لنا يومَ لم يكن هناك أي فن. إن هؤلاء الرواد يستطيعون العودة إلى الساحة ويساهموا فيها بفعالية متى ما وجدوا أن المناخ يسمح أو يقبل إبداعهم الأصيل. ولنا فيما قام به الأمير الشاعر خالد الفيصل أسوةٌ حسنة؛ حين أشرك المبدعين الكبيرين إبراهيم خفاجي وثريا قابل في الأوبريت المُصاحب لافتتاح فعاليات مهرجان "جدة غير" ليلة الاربعاء الماضي. هذا وفاءٌ من شاعر مبدع تجاه اسمين كبيرين ورائدين في الفن السعودي؛ وهو تأكيد بأن التاريخ لن ينسى مبدعيه ولا روّاده وإن جار عليهم الزمن! وقد استجاب الكبيران لهذا الوفاء وأثبتا أنهما قادران على مواصلة الإبداع متى ما وجدا من يؤمن بهما وينزلهما المكانة التي يستحقانها. هذه اللفتة الرائعة من الأمير خالد الفيصل أعادت ذكريات الماضي الجميل، ولعلها تفتح باب تجاهلنا للرواد المبدعين من كل الأطياف والذي يستحقون منا لفتة عرفان ووفاء ولو بتكريم معنوي يعيشونه في ختام حياتهم. فلماذ لا تسمى المهرجانات والمناسبات بأسماء المبدعين والرواد ولماذا لا يدعون للمشاركة في تلك الفعاليات حتى وإن كانت المشاركة شرفية ورمزية. إن الجيل الحالي للأسف يفتقد الكثير من أبجديات الإبداع الحقيقي رغم أن الطريق أمامهم مفروش بالورود في ظل وجود القنوات الفضائية والإنترنت التي من شأنها أن تصنع من أي شخصٍ جاهل وسطحي نجماً تلفزيونياً أو شاعراً لا يشق له غبار. هذه القنوات والوسائل جعلت من النجومية أمراً سهلاً يحصل عليها أيٌ من كان وبأقل جهد، بينما الرواد المؤسسون لا يجدون من يهتم بهم، لا من قنوات ولا من المؤسسات الثقافية الرسمية. إن التكريم الحقيقي للمبدع الحقيقي إحساسه بأنه ما زال في ذاكرة الناس، إحساسه بأنه لا يزال يُعطي ويُعطي، إحساسه بأنه موجود ومعترف فيه وبخبرته، وهنا لا أملك إلا أن أقول شكراً سمو الأمير على إعادة رواد الزمن الجميل.