الكلمات مجرد عناصر مفردة ولكنها عندما تتحد تكوّن مركبات كيميائية متنوعة بتنوع عمليات الدمج والتركيب . إن تجميع الكلمات ورصها بلا هدف أو رؤية فنية أو ذائقة أدبية يعطينا في النهاية عملا أشبه بمخلوط فيزيائي من المفردات الفاترة والمعاني الباهتة التي لا تشعل فتيلا ولا تضيف جديدا . إن العبارات المدروسة تصبح أكثر تأثيرا إذا قيلت في التوقيت المناسب ووجهت في الاتجاه المناسب وبالطريقة المناسبة . الكاتب ينبغي أن يكتب ويشطب ويكرر ذلك مرارا حتى يصل إلى المركب المطلوب الموافق لأفكاره وآرائه والمعبر تماما عن مقاصده وتوجهاته . الكاتب عليه أن ينتقي مفرداته بعناية فائقة فالمرادفات كثيرة ومتشابكة يفصل بينها خيط لغوي رفيع فلكل مفردة معناها الدقيق ومدلولاتها الخاصة . حينما يشتد تركيز الكلمات وتزداد وتيرة الاختزال نستطيع أن نقول ما نريد في كلمتين أو ثلاث تغنينا عن الشرح الطويل ؛ وقد يصل بنا الحال أن نعبر عن مكنوننا بلغة الصمت ؛ يحدث هذا أحيانا عندما يصبح الصمت أبلغ من الكلام . إن عدم اهتمام بعض الكتاب بكيمياء الكلمات هو الذي يصرف كثيراً من القراء عن قراءة مقالاتهم ذات الأفكار الهادفة ؛ فترى القارئ يترك المقال بعد أن يقرأ مطلعه لأن المقال ببساطة افتقد إلى عنصر الجذب والتشويق . وبما أن القارئ الكريم وصل إلى هذا القدر المتميز في قراءة هذا المقال فلعل هذا دليل قاطع وبرهان ساطع على أن المقال حقق شيئا - ولو يسيرا - مما تحدث عنه . أما القراء الكرام الذين لم يكملوا قراءته فلا بأس عليهم على أية حال فهناك غيرهم من اكتفى بقراءة العنوان العريض وهناك من اعتاد التصفح السريع ولم يتمكن من مشاهدة المقال . إذا كان المقال صناعة فالكلمة هي المادة الخام في صناعة المقال . بعض العبارات المحبوكة والجمل الأنيقة الرصينة لها وقع خاص وتأثير عميق في النفوس تطرب لها الآذان ويتردد صداها في الوجدان . كم من كلمات كانت كالنسمات العليلة وكم من كلمات كانت كاللكمات العنيفة . كلمات حكيمة حولت الأعداء إلى أصدقاء و كلمات قوية مؤثرة غيرت مجرى التاريخ وساهمت في رسم ملامح المستقبل .