لا أعتقد أن أحداً لم يسمع بقصة الذئب البشري الذي دأب على اصطياد الفتيات الصغيرات من الأماكن العامة في جدة ليمارس معهن شذوذه لليلة كاملة ثم يتخلص من ضحيته المسكينة عبر رميها في مكان بعيد عن الموضع الذي اصطادها فيه. قبل القبض على ذلك الذئب كان سكان جدة يتناقلون قصص الضحايا التي بلغت 13 ضحية، وكان في المخيلة تصوّر لشخصية المجرم يبتعد كثيرا عن شخصية المجرم الحقيقي. إذ لم يكن أحد ليتخيل أن من يقوم بهذه الجرائم الشاذة إنسان لديه أسرة وأطفال، ويعيش حياة سوية ظاهرياً أمام الناس. ما نقلته وسائل الإعلام عن ذلك الأربعيني يجعل من الصعب على المرء أن يتسامى على شعوره بالكراهية، ويتخلص من رغبته العارمة في الانتقام منه. فما قام به ذلك المجرم، إن ثبتت جريمته، سيؤثر عميقا في حياة ومستقبل عشرات الأسر. فالجريمة ستؤثر ليس في الضحايا وحدهن بل سيمتد تأثيرها على كل من يمت بصلة قربى لهن، بالإضافة، بالطبع، لأسرة الجاني الصغيرة وكل من يمت بصلة قربى لهم أيضا. ولا يستبعد أن يكون المجرم قد تحرش ببناته جاعلًا منهن ضحاياه الأول. ظهرت بعض الأصوات لتقول إن الجاني مريض وإن مرضه يجب أن يؤخذ بالحسبان عند محاكمته، قائلين إنه يمكن أن يكون هو نفسه ضحية تحرش في صغره. ورغم احتمالية أن يكون الجاني مريضا وضحية في الماضي إلا أن رجلًا في الأربعين من عمره ينبغي أن يعرف انه مريض وان يسعى للحصول على العلاج لا ترك نفسه على هواها. شذوذ النفس البشرية وارد، وهناك أناس كثر لديهم رغبات شاذة، ليس بالضرورة أن تكون جنسية، إلا أن الفرق هو أن من لديه نوع من أنواع الشذوذ يدرك قيم المجتمع الذي يعيش فيه، ومقدار الأذى الذي من الممكن أن يحيق بالآخرين نتيجة شذوذه. لاسيما أن سماحة الدين الإسلامي تتجسد في تسامحه مع الأفعال التي تنحصر فيما بين العبد وربه عند التوبة، ولا تتسامح في الحقوق بين العباد. أدرك أن القضاء الشرعي يهتم بتطبيق العدالة لا الانتقام لكن بشاعة الجريمة والأثر الهائل الذي ستتركه على نفوس كل الضحايا من ناحية الاستحالة تقريبا أن يعودوا أناسا أسوياء في المستقبل يدفع الجميع نحو الرغبة في تعزير الجاني تعزيرا لا يكتفي بالقصاص بل يشمل إلحاق الخزي به بطريقة أو بأخرى. الحكم على ذئب جدة ينبغي أن يكون حكما مختلفا عن المعتاد كي يهدئ الأنفس المكلومة، ويردع كل من تسول له نفسه إشباع رغباته وشذوذه على حساب الأبرياء..