كانت نبرات صوت الدكتورغازي القصيبي وزير العمل تعبِّر بجلاء عن (الإحباط) الذي يعيشه معاليه، وربما بدأ يتسلل إلى نفسه وهو يتحدث عن قضية البطالة والسعودة أكثر مما عبرت عنه كلماته، وربما طغى حس الأديب الشاعر على الوزير أكثر حينما قال بصيغة الجزم إن كل الآراء التي نشرت وعرضت وتناولت ما تعتقد أنها حل لمشكلة البطالة.. أنها لم تقدم أي حل ولم تتوصل إلى جديد تبحث عنه الوزارة، وأن المشكلة عميقة جداً وأكبر من (سطحية) التعامل الإعلامي معها، وهذه (المبالغة) أشعر أنها دأب الشعراء والأدباء أكثر من كونها رؤية مسؤول مباشر عن قضية الساعة وشغل الناس الشاغل، فليس من المعقول ألا تحمل تلك الأفكار والاقتراحات فكرة يمكن أن تحول إلى حل يساهم في حل مشكلة البطالة..! وربما يكون الدكتور غازي قد لجأ للمبالغة مرة ثانية حينما قال إن ما تقوم به وزارته من مشاريع ونظم جديدة لم تكن وليدة اليوم، بل هي نتاج عمل وخبرة عمرها 25 عاماً، ذلك أن هذه السنوات لو وجدت بالفعل لساهمت في حل المشكلة في مهدها قبل أن تتراكم مشكلة البطالة خاصة إذا علمنا ومن واقع سجلات الوزارة ذاتها أن عدد العمالة الأجنبية في المملكة تجاوز الستة ملايين، فيما لم يكن يزيد على مليونين وخمسمائة ألف عام 1411ه ..! وأعود لنفي الوزير النشيط من الاستفادة من الحلول التي تقدمها رؤى واجتهادات الإعلاميين والكتاب، بل وفئات المجتمع قاطبة، ذلك أن هناك فرقا كبيرا بين التشخيص والتباكي على الواقع وبين الحلول وهو ما تنشده الوزارة، والذي وجدته في الكثير من الأطروحات، ربما كان القصيبي يقصد وجاهة هذه الحلول وإمكانية تحقيقها، وحتى هذه أيضاً ليست على إطلاقها، فكثير مما قرأت وطالعت كانت تتناول القضية من اتجاهات عدة، تارة فيما يتعلق بالشباب ذاته، وتارة بمؤسسات القطاع الخاص، وتارة بالجهات المشرفة عليهم والمؤهلة لهم، وأزعم أن ما تقوم به الوزارة ممثلة بالمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني من برامج وتنظيمات جديدة إنما تصب في هذا المنحى، ولعل مشاريع مثل التدريب التعاوني وبرامج التدريب المشترك التي نفذتها المؤسسة وبرامج أخرى نفذت تتمة لها كتأسيس صندوق الموارد البشرية لم تأت، إلا لأن الآراء التي طرحت إعلامياً ناقشت قضايا حيوية في المسألة كقضية الخبرة قبل العمل، والتي حلت جزءاً منها برامج التدريب وقضايا التسرب الوظيفي الذي حفظ فيه حقوق رب العمل صندوق الموارد البشرية، ومن خلال المناقشة المباشرة التي جرت أمام سمو أمير منطقة الرياض الأمير سلمان، بين القصيبي (ممثل الدولة) ود.عبدالرحمن الزامل (ممثل القطاع الخاص) في افتتاح فعاليات المؤتمر التقني السعودي الثالث والتي تدلل على أن أساس المشكلة هو من مؤسسات القطاع الخاص، وربما ظهر هذا جلياً في الندوة التي تلت حفل الافتتاح حينما (هدد) القصيبي بأن الوزارة لن تسكت ولن تتوقف متفرجة وأنها ستقوم بسن قرارات وتنظيمات جديدة ترفع من تكلفة الاستقدام، ومن المهم ونحن نقف (ضد) القطاع الخاص فيما يتعلق بالسعودة ونتهمه بأنه يقف موقفاً سلبياً في التعامل معها خاصة وآخر الإحصائيات أشارت إلى أن نسبة السعودة لم تزد على 15٪ في كبرى الشركات و3٪ في الشركات والمؤسسات المتوسطة، أقول من المهم أن ينظر فيما يزعمون أنها أمور تقف في طريقهم خاصة تلك التي ذكرها الدكتور الزامل في حفل الافتتاح وحمل سمو أمير منطقة الرياض رسالة ينقلها لسمو ولي العهد (أن الجماعة زعلانين) إشارة للمطالبة بإصلاحات عدّدها الدكتور الزامل بمائة وعشرين مطلباً لإصلاح الاقتصاد الوطني وقال معها إن قضية السعودة لن تحل بالقرارات، بل بتشجيع رجال الأعمال لمزيد من الاستثمارات، وهذا لن يتم دون النظر في المائة وعشرين عائقا التي تقف في وجه الاستثمار المحلي..! أعود إلى (إحباط) القصيبي، وأقول إنه وإن كانت المشكلة كما اتضحت في المؤتمر التقني من أنها متعلقة في القطاع الخاص الذي (يرفض) إثبات وطنيته ويصر على تغليب جانب الربحية على المصلحة العامة، أقول إنه ربما يكون للوزارة دور في ذلك أيضاً، فتجارب اعتقد أنها كانت ناجحة ومنحت الشباب فرصاً للعمل كتجربة منع عمل الأجانب في أسواق الفواكه والخضار ومحلات بيع الذهب ومؤخراً سيارات الليموزين، كل هذه التجارب الإلزامية وإن شهدت تسرباً من فئة قليلة من رجال الأعمال، إلا أنها أتاحت للشباب فرصة العمل بل أثبتوا رغم وضاعة بعضها كأسواق الخضار أنهم مستعدون للتحدي وإثبات الذات، وهنا أجد أنه ومع لوم القطاع الخاص أقول إن الوزارة بحاجة لسن قرارات جديدة بالتعاون مع جهات تنفيذية أقرب منها للواقع، خذ مثلاً مجال التربية والتعليم والدراسات تشير إلى أن نسبة السعودة فيها خاصة في القطاع النسائي لا تزيد على 3٪ ماذا لو قررت الوزارة منع الاستقدام إلا للوظائف العلمية التي تعاني الوزارة نقصاً فيها أصلاً؟ خاصة وشباب كثر خريجو جامعات بات عملهم في القطاع الحكومي أشبه بالمستحيل، كذلك الأعمال الإدارية البسيطة في تلك المدارس وحالياً في الكليات والجامعات الأهلية، هذا بالإضافة لوظائف لا تحتاج لتخصص دقيق كوظائف الاستقبال في المستوصفات والمستشفيات الأهلية، وغيرها كثير والتي من الممكن لو تمت مراجعتها مع إصدار قرار إلزامي (بمنع) العمل فيها وليس (الاستقدام)..!! لأثمرت عن فرص عديدة وجيدة للشباب السعودي الباحث عن عمل، لا أزعم هنا أني قدمت جديداً، بقدر حرصي على الإبانة أني انزعجت من كون من يقف على هرم السعودة ومكافحة البطالة في بلدي بدأ الاحباط يتسلل إليه، مع تقديري للوصف الدقيق الذي ذكره الدكتور القصيبي من أن خطورة مشكلة البطالة لا تقل خطورة عن مشكلة الإرهاب والمخدرات، وهو وصف دقيق إذ أن البطالة هي طريق أكيد للإرهاب والمخدرات..!! وأعتقد أن ما تحتاجه البطالة هو ثلاثة أمور هامة، الأول استشعار وطني مخلص من قبل رجال الأعمال لأهمية السعودة ذلك أن البطالة قد تطال أمنهم إذا ما تفاقمت وما ارتفاع حوادث السرقة إلا مؤشر على ذلك، والثاني قرارات ملزمة من وزارة العمل لا تقبل التأويل والمماحكة، والثالث حل المشاكل والعوائق التي تقف في وجه رجال الأعمال وتحرير الاقتصاد وزيادة فرص الاستثمار، كما طالب د.الزامل، وأثق في الختام أن مكاناً يقف خلفه كفاءة إدارية مثل الدكتور غازي القصيبي قادر على أن يجد الحل ويعالج مكامن الخلل.