هناك أناس يحترقون ويواصلون العمل ليل نهار، ولكن بصمت، لا يتكلمون ، ولا يبحثون عن ضوضاء الإعلام لكي تتحدث عنهم. كل همهم أداء الواجب والإنجاز، وفي النهاية تأتي أعمالهم شاهداً لهم ودليلا على حجم العمل والإخلاص في الأداء ومخافة الله وحب الوطن، والحرص على مصلحة المواطن. وعلى النقيض من ذلك هناك نوع آخر من البشر لا همّ له سوى حب الظهور والتمرغ في رمال ضوضاء الإعلام حتى قبل أن تبدأ مشروعاته ... إن هي بدأت. هؤلاء نراهم في حياتنا كل يوم ونعجب لحالهم؛ يطلقون التصريحات، ويوردون التبريرات، ويعطون الوعود وفي النهاية لا شيء يتحقق على أرض الواقع. الشيخ الدكتور عائض القرني في مقالة له بعنوان ( الفارغون أكثر ضجيجاً ) نشرت في صحيفة الشرق الأوسط في3 نوفمبر 2009م تحدث عن هاتين الفئتين من البشر ومما قاله عن الفئة الأولى " أما العاملون المثابرون فهم في سكون ووقار؛ لأنهم مشغولون ببناء صروح المجد وإقامة هياكل النجاح . إن سنبلة القمح الممتلئة خاشعة ساكنة ثقيلة، أما الفارغة فإنها في مهب الريح لخفتها وطيشها " .أما الفئة الثانية فقد وصفهم بأنهم " فارغون مفلسون أصفار رسبوا في مدرسة الحياة " وقال " إن مشاريعهم كلام، وحججهم صراخ، وأدلتهم هذيان لا تستطيع أن تطلق على أحدهم لقباً مميّزاً ولا وصفاً جميلاً ". وسائل إعلامنا، على اختلاف أنواعها، تطالعنا كل يوم بأحاديث ولقاءات مسجلة ومباشرة مع العديد من المسؤولين في القطاعين الخاص والعام. هذا الظهور الإعلامي لابد له من إعادة تقييم وضوابط تحكمه وتضمن الحد الأدنى من الشفافية والمصداقية في الطرح. يطالعنا أحدهم لينفي ما ينسب إلى قطاعه، أو إليه من قصور معتمداً على قدرته في الكلام والمراوغة، أو على ضعف المحاور وعجزه عن تحديد نوع وحجم المشكلة، أو تجسيد الشكوى. مخرَج آخر للهروب من الأسئلة المحرجة وهو أن يحاول المسؤول تغيير الموضوع والدخول في تفصيلات لا علاقة لها بالمشكلة الأساسية. من هنا فإن الحاجة تدعو إلى اختيار الصحفي والإعلامي الممارس لإجراء المقابلات وإدارة الحوارات للحصول على المعلومة والإجابة عن الأسئلة المطروحة. وسائل الإعلام مطالبة أيضا بتهميش هؤلاء (الفارغين) والبحث عن مسؤولين لديهم الإحساس بالمسؤولية وعندهم من المعلومات والشجاعة ما يجعلهم قادرين على قول الحقيقة ولو كانت انتقادا لأداء أشخاصهم أو الجهات التي يمثلونها. لدينا هيئة لمكافحة الفساد، ولدينا حيز واسع من الحرية في الطرح الإعلامي والنقد الموضوعي، وفوق كل هذا وذاك لدينا توجيهات واضحة وصريحة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله بمحاسبة المقصر والإصلاح في كل ما من شأنه مصلحة الوطن ورفاهية المواطن، ومن هنا فإن البحث عن النجاح، والتشبث بالوظائف والمراكز القيادية لا يعنيان بأي حال التقاعس عن أداء الواجب، وهضم الحقوق، وإهمال مطالبات المواطن. لنرجع إلى الوراء قليلًا ونستحضر ما بُث ونشر من مقابلات مع المسؤولين في الفترة القليلة الماضية ونقيّم ما وصل إلينا من معلومات ونخضعها لمعايير اختبار دقيقة ونرى هل نحن على الجادة أم خرجنا عنها؟ نحتاج وقفة شجاعة وإصراراً على أن لا نجامل، وأن نجتهد في جمع الأدلة والحقائق حتى نواجه المقصر ونثنيه عن الاستمرار في قصوره. نحن في مرحلة إصلاح وطني فرضتها الظروف والمتغيرات المحيطة بنا. هذه المرحلة لابد فيها من تكاتف الجميع وقيام كلّ منا بالدور المناط به، ومن جانَبَ الصواب فعليه البقاء بعيداً.