في زمن كثرت فيه الأحزان، وكثير فيه المواجع، وطغت فيه النواحي المادية على النواحي المعنوية في زحمة الحياة.. ما أحوجنا لهدوء الأعصاب، وإراحة النفس عن العمل والعناء، ما أحوجنا للرضاء والتسامح والتفاؤل، فالإنسان بدون شك يحتاج للسعادة، والراحة، وأعتقد أن أقرب شيء لنفس الإنسان هي الطرافة فلا يمكن لأحد أن ينكر أثرها في حياة الناس، فهي بدون شك تدخل عليهم الكثير من مشاعر الفرح والسرور. ولاشك أن المواقف المضحكة كثيرة جداً ولا تزال موجودة بين كتب الفكاهة، ومحفوظة على صدور الرواة على مر العصور والأجيال، ولقد بقيت الطرفة على طول السنين والأيام تدخل الفرحة والبهجة على قلوب الناس.. ووجدت أن الطرافة في أشعار الشعراء والشاعرات هي أفضل بكثير من تلك النكت البذيئة التي يلجأ لها بعضهم لإضحاك الناس. فطرائف الشعراء والشاعرات لها ذوق خاص ونكهة مميزة، فمواقفهم المضحكة والمحرجة ذات طابع شيق ومسل.. وكثير منهم يتفنن في التعبير فيصور لنا مواقف جميلة لكي يدخلون على حياتنا البهجة والسرور، فتضفي هذه الطرائف على نفوسنا جواً أريحياً. ومن القصص الطريفة القديمة كان الشاعر سعيد بن سمحة الاكلبي له صديق تاجر من منطقة أخرى وكان يتبادل معه التجارة ويبيع سعيد عليه التمر والسمن آنذاك وفي نفس الوقت يشتري منه البر، وفي يوم من الأيام زار هذا التاجر سعيد في منزله- وكان الناس في ذلك الوقت القديم في ضيق شديد من المعيشة وعدم سعة الرزق- فقدم سعيد لصاحبه التاجر ما تيسر له من الماجود وكان صحناً مليئاً بالتمر فقط، ورحب بضيفه التاجر قائلاً: الله يحييكم على اللي لقيتوه والسمن والله ما ذخرناه عنكم سمن الربيع اللي جمعنا شريتوه ياليتنا نحن شريناه منكم فقال التاجر: الله يسلمكم صحنكم مليتوه ناكل وباقي تمركم في صحنكم لو أنكم من ذيل شاةٍ دهنتوه من حايٍل تذكر لنا في غنمكم بعد ذلك أجابه سعيد: ياكيف نفعل سالفٍ مافعلتوه وأنا الذي قد زرتكم عند أهلكم ومن مساجلات الشاعرات الطريفة هذه المحاورة التي جرت بين الشاعرة مويضي وأختها بنّا التي تمدح زوجها وتنتقص زوج أختها مويضي فقالت بنّا مداعبة أختها: شوقي غلب شوقك على هبة الريح ومحصلٍ فخر الكرم والشجاعه ركاب شوقي كل يومٍ مشاويح وإذا لفا صكوا عليه الجماعه يالببيض شومن للرجال المفاليح لا تقربن راعي الردى والدناعه فأجابتها أختها مويضي بقولها: ما هو بخافيني رجال الشجاعه ودي بهم بس المناعير صلفين أريد مندس بوسط الجماعه يرعى غنمهم والبهم والبعارين وإذا نزرته راح قلبه رعاعه يقول ياهافي الحشا ويش تبغين وان قلت له هات الحطب قال طاعه وعجلٍ يجي بالقدر هو والمواعين لو اضربه مشتدةٍ في كراعه ما هو بشاكيني ولا الناس دارين ومن الشاعرات اللاتي تميزن بالأشعار الطريفة والممتعة التي من خلالها سخرن تلك القوافي لالتقاط الطرفة وتقديمها للناس الشاعرة عابرة سبيل - رحمها الله - ولها هذه الأبيات الطريفة على طريقتها الخاصة: أنا لي ثمان سنين متولعه وأغليه وعلى جملة أهل الحقد والعذل محتجه كتبت القصايد كلها ياجماعة فيه عليه الحشا مثل القراطيس بالعجه عقب هالعمر يسأل قصايدك من هوفيه؟ ياويل قلبي كان نشدته من صجه أنا ودي أطقه وأخاف أتوثم فيه هبيلٍ بلاه الله في بنت مرتجه ولها أيضاً هذه الأبيات الطريفة: دوم يعيرني يقول أنتي متين حلجك المفتوح لازم نغلقه هيه يادبه لزوم تخففين والا أثور فيك عشرين فشقه وفي رجيمي استمريت اسنتين جدي اللي مات بغيت الحقه ويش رايك؟ قلتها بصوتٍ حزين قال دبه.. وأنقلبتي لي اسلقه وكذلك لها هذه الأبيات الشهيرة: لي صاحبٍ منه تبي تطلع الروح خبلٍ ومن هي مولعه فيه خبله عامين المح له مع الجد ومزوح وأقول ياعنتر تناديك عبله طال المدى ثم قلت أنا أغليك يالوح مجروحةٍ جرحٍ مخاطره عجله دنق وقال أنا من العام مجروح وأشر لجرحٍ مبطيٍ وسط رجله وهذا هو الشاعر عبدالرحمن الفوزان يداعب صديقاً له عندما سرقت سيارته فقال هذه الأبيات التي لا تخلو من المداعبة والطرفة: ماظنتي يطمع بموترك سراق خشلٍ قديم للمسافر يعوقي لوتتركه شغال في كل الأسواق بالليل كله ماحدٍ له يبوقي موترك شالته الأمانه للأطراق من عقب ما دلايتعور طبوقي ملوث حرات والسوق به ضاق ما عاد به خير وشره يفوقي فإن كان قلبك مولع به ومشتاق رح للمحارق دوره يامخلوقي هذا وأنا ياخوك مانيب هماق لكنها الفرصه إلى جات تروقي ومن طرائف الشعراء نورد هذه القصة الطريفة: في أحد الأيام زار الشاعر على بن عويض الشاطري رفيق دربه الشاعر مروي بن دويس المطيري بعد انقطاع طويل عنه بسبب مشاغل الحياة وبعد المسافة بينهما، وعندما ألتقى صديقه لاحظ عليه تقدمه في السن وقد بدأ في عارضه الشيب فقال هذه الأبيات التي يحث فيها أبناء صديقه على البر بوالدهم والاعتناء به نظراً لتقدمه في السن، وهي لاتخلوا من الطرافة والمداعبة فقال: عودٍ عوارض لحيته شيبني وبانت ظروف العود مير اعتنوا به اللي منول حس نجره يدني اليوم جعل الله يغفر ذنوبه ياما شرى كبش معه كيس بني بوقتٍ على عوص النجايب ركوبه واليوم يانواف عودٍ مسني والبر فعله فيه ماهو صعوبه وعندما وصلت هذه الأبيات إلى الشاعر مروي بن دويس المطيري أجاب صديقه بهذه القصيدة على نفس الوزن والقافية، ولكونه شاعراً متمكناً فإن قصيدته لاتخلو من الطرافة نفسها فقال: يا اللي تقول القاف لاتحسبني ناس السنين اللي على محسوبه أعرف حساب اسنيني اللي مضني وأرجو ثواب الرب وأخشى العقوبه وسنك تراه مقاربٍ حول سني وشيبك على العارض غدا له شبوبه هذا الكبر يقرب وصلك ووصلني وعما قريب يصير شكلك اعجوبه اسمع وأشوفك في مقامك توني راح الشباب اللي زها لك بثوبه وكانك على الماضي شفوق وتحني اللي مضى دار الرياح بهبوبه وقتٍ مضى محسوب منك ومنى وعسى العوض يحصل قبولٍ وتوبه وجعل الذنوب اللي مضت يغفرني وليت الجهل والغي تستر عيوبه لكن ليا من النجوم ادبحني وكلٍ تريح في فراش محبوبه خل العيون لربهن يسهرني ترى العمر يمشي ومقبل غروبه