الذين قرؤوا قصيدة الشاعر المشهور المرحوم محمد العبدالله القاضي سوف يجدون أن نصف المتعة يأتي من إعدادها وتحضيرها أمام الضيف، ولا مجال لخدمتها أو "صبّها" من طبخة قديمة. دقّه بنجر (ن) يسمعه كل مشتاق + راع الهوى يطرب إلى طق بخفوق إلى أن يقول: خلّه تفوح وراعي الكيف يشتاق. متأكد أنا أنكم لاحظتم عملية شوق الانتظار. وهذا ما جرى عليه عرف الضيافة ولا يزال البعض متمسكا به حتى يومنا هذا. إلا أن المدنية والعجلة طرحت المزاج بعيدا. ف.."التقهوي" أصبح رتيبا وشبه ممل. وكثرت تجارة الترامس, وهي تُسمى بالفصحى "الكظيمة" أقصد الزجاجات الحافظة لدرجة الحرارة والبرودة. والبعض يسميها "ثلاجة" وهي طبعا ليست كذلك، لأنها لا تقوم بالتبريد. لكن أوائل عهدنا بالجديد – ونحن في بلادنا نشتاق إلى البرودة أكثر، جعل العامة يطلقون تلك النعت عليها. القريب من قولي هذا هو ظهور أكواب مصونة من الأعلى بغطاء يُفتح قليلا لشرب السائل، وقد تكون مناسبة لراكبي السيارات أو قائديها. ويضعون فيها الشاي أو القهوة، وهي منتشرة بشكل واسع، وخصوصا بين الشباب. لا تفوح.. ولا راعي الكيف يشتاق!. ادلقها في فمك وأنت ماشي..!. وكان القادم من سفر يُستقبل في بلدته، إذا دخل السوق بجملة معروفة وهي: متى قهوتنا فيضع المواعيد لهذا وذاك، والغرض الاجتماع و"أخذ العلوم" وأخبار "الجماعة" في البلاد الذي قدم منها، والتجارة وأحوالها، وذلك لقلة وسائل الاتصال، لكن كل هذا يجري أمام دلال القهوة وأباريق الشاي ظهرا أو مساء. لا حظوا الآن أن أكثر المقاهي في المدن الكبرى تعتمد على الطلبات الخارجية، وتحولت الفناجيل الصينية المخصصة للقهوة إلى أكواب من الورق. فقدنا "أبو أربعة أسود" صيحة النادل المعروفة في الحجاز. دخلت مفردات الإيسبريسوينو والكابتشينو وموكا وكافيه لاتيه بدلا من مختارات الشاعر القاضي يرحمه الله حيث قال: زلّه على وضحى بها خمسة أرناق هيلٍ ومسمارٍ بالاسباب مسحوق مع زعفرانٍ والشمطرى إلى انساق والعنبر الصافي على الطاق مطبوق