لا شك أن تعثر المشاريع في العديد من دول العالم يعتبر من أكثر المشكلات الحكومية إداريا وماليا وتنفيذيا، وهذه التعقيدات تحدث ابتدءاً نتيجة المبالغة في الإنفاق الحكومي ومرورا بتقصير المقاولين وانتهاء بما يعرف بحماية الفساد وإضفاء نوع من المشروعية على عمليات انتهاك وتبديد المال العام من خلال تنفيذ مشاريع التنمية والبنية التحتية بجودة أقل وبتكلفة عالية، بعكس الدول المتقدمة التي تحرص على تنفيذ مشاريعها بجودة عالية وبأسعار حقيقية تخضع لأجهزة متخصصة في الرقابة تضمن المزيد من الوضوح والشفافية في تصميم وتقييم وتنفيذ المشاريع الحكومية. وكما أسلفنا فإن مشكلة بعض المشاريع الحكومية تكمن في المبالغة في تكلفتها وضعف جودتها التي قد لا تتناسب بأي شكل من الأشكال مع مثيلاتها من المشاريع المنفذ بجودة وحجم وتقنية عالية في الدول الأخرى، وهذه القضية لا يمكن محاربتها فعليا إلا من خلال القيام بأعباء الوظيفة العامة بأمانة ومسئولية كاملة لقوله تعالى (يأيها الذين أمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون)، وحيث أن للوطن في دم كل حر يداً سلفت ودين مستحق فإن كل إنسان كبيرا أو صغيرا لا يحمي وطنه من التعدي والاستغلال بكل صوره وأشكاله لا يستحق أن يعيش فيه فضلا أن يكون مسئولا فيه. إذا كان الأصل في الموظف العام الأمانة والتجرد في تحقيق المصلحة العامة بترسيه المشاريع على المقاول الجيد ومتابعة تنفيذها بعيدا عن حسابات المصالح الشخصية، فإن الجهة المالكة للمشروع تبقى مسئوليتها قائمة عن تعثر المشاريع من خلال عدم ترسيتها على المقاول الأفضل ابتدأ أو بتعسفها في استخدام السلطة مثل سحب المشاريع وإيقاف التعامل مع المقاولين مع أن النظام قد حدد الجهة المختصة باتخاذ مثل هذه القرارات، وقد تتعثر المشاريع بسبب المسئول نفسه نتيجة جهله بالأنظمة أو بالامتناع عن اتخاذ قرار خوفا من تحمل تبعاته، أو بقصد الحصول على منفعة خاصة، وبالجملة تتطلب معالجة تعثر المشاريع القوة والأمانة وتغليب المصلحة العامة في تطبيق الأنظمة. ونخلص إلى أن تعثر المشاريع الحكومية ينتج عادة عن تقصير المقاول وهذه قضية تسهل معالجتها ومحاسبة المقصر والمتسبب فيها، لكن تعثر المشاريع نتيجة فساد مسئول أو فهم خاطئ لبعض مواد النظام أو اللوائح التنفيذية أو بسبب التعسف في استخدام السلطة يعتبر جريمة مركبة في حق الوطن والمواطن توجب معاقبة المسئول على خطئه وفساده بدلا من إعفائه والتغاضي عنه, وإرضاء حاسة العدالة في المجتمع يتطلب معاقبة كل مقاول مقصر أو مسئول فاسدا ومتعدى على مقدرات الوطن وحقوق المواطن ومشروعات التنمية.