في منتصف الشهر ، " غاب القمر بدري وحرمنا أنواره " .! ورعى الله أمسيات كان لنا القمر فيها كل شيء .. ما كنا نقيس المسافة بيننا وبينه ، لأنه دائما كان (القريب) من وجداننا ، الحبيب الذي يكحل بنوره عيوننا .. يصاحبنا ويبارينا في الشوارع والحارات .. يفرد شاله الشفاف على أسطح بيوتنا الصغيرة المتلاصقة .. ويعبر نوافذها التواقة المتلهفة لعيونه ، ولنسمات أمسياته النشوى ، المحتفية حد الوله بأحلامنا الصغيرة .! **** وحزنت على سطر من دفتر الليل .. محاه الخسوف في ليلة بلا قمر .. كيف يبيت الشعر في ليلة بلا قمر ؟! على أي شيء تتوسّد وتحلُم النجمات ؟! **** بين وقت وآخر يأتي بعض أحبائي هنا يضعون لي (سمات) رسموها هم .. فمرة يحملونني مطرقة ومنشار (نجار الحارة) .. ومرة بقشة (فرَّقنا) الذي يدور على الأزقة، ويمر من تحت (الرواشين) يسوّق لأقمشة الستان والتفتة والبفتة .. ومرة يحملونني طبلة (المسحراتي) و(المزهّد) ، ويحبون أن أكون كما أرادوني فقط .! هذا هو قدر كاتب (الأبازير) .. مرة بمذاق (الكمّون) .. ومرّة بلسعة الفلفل .. حينًا بنكهة النعناع .. وحينًا بلزوجة (زيت الخروع) .! وأنا في النهاية كل ذلك وأكثر .. مزيج إنسان يضحك ويبكي .. يكد ويتعب .. ويطرب ويلعب .. ولا يمكن أن أكون حالة واحدة .. أنا في النهاية (معدن) .. قد أكون نفيساً عند أقوام .. و(رخيصا) عند آخرين .. فاقبلوني (مجموعة إنسان) كل ما أعدكم به هو الصدق .! **** ** آخر سطر : بلغه يا قمر إذ ينشر الخبر ، أني غداة غد يغتالني السهر .. ولهان ينتظر والشوق يستعر البيد تعرفه والليل والقمر .!