طالما كانت المشاريع الكبيرة والعظيمة، في البدء، أحلاماً تداعب عقول الرواد من الرجال تتحول، تالياً، بفعل الإرادة والتصميم إلى رؤية تتحقق تفاصيلها على أرض الواقع. وقد أنطبق ذلك على فكرة إنشاء مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث حين تحولت الفكرة التي كانت تتشكل في ذهن الملك فيصل بن عبدالعزيز، رحمه الله، قبل أربعة عقود إلى رؤية تتجسد واقعاً فيمضي في بلورتها ليعلن قبل أن ينتصف شهر رمضان المبارك وتحديداً في 13 رمضان 1390ه الموافق 11 نوفمبر 1970م وهو يضع حجر أساس المشروع المتجاوز لواقعه آنذاك بكلمات تنساب بالعفوية والروح الإنسانية تجاه شعبه ومجتمعه بل كأنه يخاطب المستقبل حين تمنى أن تصل خدمات هذا المستشفى إلى الأشقاء وكل من يحتاج إلى رعاية صحية. فقد سجل التاريخ كلمات الفيصل التي لم تتجاوز سبعين كلمة وهو يقول: " بسم الله الرحمن الرحيم..نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجه الله وأن يكون فيه الخير والسعادة لأبناء وطننا ولكل من احتاج إلى خدمة من هذه البلاد وأبنائها من الأشقاء والمجاورين ومن كان فيه احتياج لأن يعالج أو تراعى صحته وأن يكون عملنا خالصاً لوجهه الكريم لا رياء ولا دعاية وإنما هو قيام بالواجب الذي أوجبه الله علينا لخدمة ديننا ووطننا وأمتنا إنه على كل شيء قدير..". كانت تمثل تلك الكلمات السبعون خارطة طريق لهذا المستشفى الذي بزغ نوره وفُتحت أبوابه في 12 ربيع الثاني 1395ه الموافق 23 أبريل 1975م على يد الملك خالد بن عبدالعزيز، رحمه الله، لتنطلق خدماته التخصصية والمتقدمة لمواطني المملكة وكل من احتاج إليها من "الأشقاء والمجاورين" كما تمنى الفيصل من قبل. توسعت الخدمات شيئاً فشيئاً حتى أصبح اسم "التخصصي" مثالاً يحتذى به في المجال الطبي والصحي في المنطقة ككل بل نال مكانة في مصاف المراكز الطبية العالمية بما يحققه من منجزات تشهد بها مواطن العلم وميادين المعرفة. وقد قدم ملوك هذه البلاد دعماً كبيراً لاستمرارية وتعملق هذا الإنجاز بدءاً من عهد الملك خالد بن عبدالعزيز، ثم عهد الملك فهد بن عبدالعزيز، رحمهما الله، حيث كان من أبرز المشاريع في تلك الفترة توسعة العيادات الخارجية ومبنى مركز الأبحاث وعديد من الإنجازات والبرامج الطبية الرائدة، تلا ذلك عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يحفظه الله ويرعاه، والذي كان من أولى اهتماماته توفير كل الإمكانات المتاحة لتقديم أفضل رعاية تخصصية لمرضى الحالات الصعبة والمعقدة ومن بينها حالات الأورام السرطانية حيث بادر بالتوجيه إلى إنشاء مركز الملك عبدالله للأورام وأمراض الكبد بسعة 300 سرير وذلك وفقاً لأحدث المواصفات والمعايير العالمية. ومن الجدير ذكره أن المستشفى شهد في الفترة التي جاوزت اليوم أكثر من 35 عاماً منذ افتتاح هذا الصرح العظيم نمواً كبيراً في الخدمات الطبية التخصصية فجرى تشخيص ومعالجة نحو 70 ألف مريض بالأورام السرطانية وإجراء 3528 زراعة نخاع عظم وخلايا جذعية منذ عام 1984م وحتى نهاية العام 2010م حيث تعد هذه العمليات من أعقد وأدق الإجراءات الطبية التخصصية. بل أن المستشفى استطاع أن يحقق تميزاً في هذا الشأن على المستوى العالمي حيث تبوأ برنامج زراعة نخاع العظم والخلايا الجذعية موقعاً رائداً عالمياً في عدد حالات الزراعة من بين 270 مركزاً عالمياً منذ عام 2003م وحتى الآن وفقاً لخطابات تسلمها المستشفى من مركز أمريكي متخصص في أبحاث وإحصاءات نخاع العظم على مستوى العالم. ولما للمستشفى من ريادة متميزة في برامج زراعة الأعضاء منذ عام 1981م وحتى الآن، فقد أصبحت الفرق الطبية تجري ما معدله ثلاث عمليات زراعة أعضاء خلال 48 ساعة على مدار العام وبنتائج مماثلة لما يتحقق في المراكز العالمية المعروفة. وقد ارتفعت عمليات زراعة الأعضاء في العام 2010م عن ما تحقق قبل خمسة أعوام بمقدار 35% في ظل تراكم الخبرة وتميز النتائج. وفي الختام نتوجه بخالص الشكر والعرفان لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يحفظه الله، على دعمه المتواصل لهذه المؤسسة الطبية والبحثية العريقة سائلين الله العلي القدير أن يوفق الجميع لتحقيق أفضل رعاية صحية تخصصية لمواطني هذا البلد الكريم. * المشرف العام التنفيذي