تولّد عقدا أكبر، هذه هي حال تشكيل الحكومة اللبنانية المجهض لمرات ومرات منذ تكليف الرئيس نجيب ميقاتي عملية التأليف في 25 كانون الثاني الفائت. ما إن تهدأ حركة الاتصالات حتى تقوم جهة ما بحركة غير اعتيادية لتحريك الركود: كما دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري الأربعاء الماضي الى جلسة تشريعية لم يكتمل نصابها. على إثر هذه الحركة تكثفت الاتصالات بين بعبدا والرابية وفردان وعين التينة، وعادت الأخبار المتضاربة للتداول: الحكومة ستكون يوم الاثنين، أو بعد اسبوع... إلا أن "فكفكة" العقد التي تفضي الى عقد جديدة، يشير بوضوح الى أن تشكيل الحكومة لا يرتبط بمواعيد داخلية لبنانية، بل يسير على عقارب الساعة الدولية التي لم تلتق بعد على الأجندة اللبنانية. فبعد حل عقدة وزارة الداخلية التي ستسند الى العميد المتقاعد مروان شربل وهو اسم محترم يشكل تقاطعا بين رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وبين رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، وبعد الاتفاق على الماروني السادس، برزت عقدة السني السادس ويبدو أن اسهم فيصل عمر كرامي عادت للصعود على الرغم من عدم رغبة ميقاتي لتوزيره حفاظا على صداقته مع حليفه أحمد كرامي، في ما يتشبث "حزب الله" باسم فيصل احتراما لوعد قطعه للرئيس عمر كرامي بتوزير نجله، وبرزت كذلك عقدة درزية مفادها رفض النائب طلال أرسلان تولي حقيبة دولة ومطالبته بحقيبة اساسية. وإذا كانت العقد تشي بحلول قريبة ثم تعود فتتعقد أكثر فأكثر فالسبب يعود الى صعوبة تأليف الحكومة اللبنانية في الوقت الراهن لأسباب عدة: - أولها عدم الرغبة الأميركية في التأليف وإيلاء السلطات الى الأكثرية الجديدة بإدارة "حزب الله"، الذي وإن بقي يسير في الظلال إلا أنه بات معروفا أنه هو "المايسترو" السياسي الرئيسي للحكومة العتيدة. - عدم وجود رغبة أميركية واوروبية في قيام حكومة قبل صدور القرار الظني الخاص بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان والتي تنظر بقضية اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ورفاقه عام 2005، وفي هذا الإطار قال دبلوماسي غربي في دردشة مع "الرياض" أنه " من الأفضل أن يكون الفراغ قائما عند صدور هذا القرار لأنه قد يكون كرة نار مشتعلة لا يجب أن يتلقفها أي طرف لبناني، وبالتالي لا حكومة لبنانية قبل صدور القرار الظني". - تريث رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي في التكليف، استنادا الى حجج عدة منها تشبثه بالدستور اللبناني حرصا على صلاحيات رئيس الحكومة السني في توزيع الحقائب والأسماء بطريقة تجعله هو المتحكم بأداء حكومته، وكذلك رغبته في أن يعمد الوقت الى ليّ ذراع المعاندين من رؤساء الكتل وفي طليعتهم العماد ميشال عون. إلا أن السبب الرئيسي للتريث فهو رصد ميقاتي للحركة الإقليمية وخصوصا في سوريا حيث إن أي تغير في دمشق سيؤثر على موازين القوى اللبنانية، وهي المظلة الحقيقية للأكثرية الجديدة، وبالتالي إن أي تبديل سيسهل مهمة ميقاتي لجهة تأليفه حكومة وسطية يستطيع التحكم بها وتسيير أعمالها كما يرغب، فضلا عن تخوف ميقاتي من تشكيل حكومة يكون ل""حزب الله" الدالة الكبرى فيها، وهذا ما لا يناسبه البتة في ظل الطلبات الأميركية والأوروبية المتكررة إليه بأهمية مضمون البيان الوزاري العتيد وخصوصا البند المتعلق بالمقاومة. الى جانب هذه الأسباب كلها، يبدو بأن الإهتمام العربي وحتى الغربي لم يعد يرى في الحكومة اللبنانية أولوية في ظل الانتفاضات الجارية وتداعياتها المتسارعة وفي ظل الحديث عن تغيرات في الجغرافيا السياسية لبعض البلدان. في هذا الإطار، ينتظر اللبنانيون أن يأتي الفرج من مكان مجهول لا يدركونه حتى اليوم، وهم يعيشون في ظل نظام سياسي جامد، مكبّل بمصالح الطوائف المتضاربة، وبمعايير دقيقة تشبة "ميزان الصائغ"، لكنها معايير باتت غير مقدسة، من هنا يدور الحديث في الأوساط السياسية عن ضرورة إعادة النظر في هذا النظام السياسي وخصوصا لجهة إعادة توزيع الصلاحيات بين الطوائف اللبنانية. فكرة لا تلقى رواجا كبيرا، لكنها مطروحة على بساط البحث اللبناني في انتظار أن يجد أصدقاء لبنان الوقت ليساعدوه على بلورتها.