واقع الحال لمعظم أفراد المجتمع الخليجي أن حجم إنفاقهم مرتفع جداً في بداية الشهر مقارنة بنهايته، بل يصل بهم الحال إلى حد الإفلاس في نهاية كل شهر. بعضهم لا يستطيع أن يفعل أكثر من ذلك بسبب انخفاض مستوى الدخل مقارنة بحجم الإنفاق على الضروريات. لكن شريحة عريضة منهم تعيش على هامش الاقتصاد وتنحرف بشكل واضح عن الواقعية، وتقحم نفسها في التزامات طويلة الأجل لتحقيق أهداف استهلاكية قصيرة الأجل. في معظم الحالات، وعطفاً على أنماط الاستهلاك السائدة في المجتمع الخليجي، تعد القروض حلولا قصيرة الأجل تخلق مشاكل طويلة الأجل. خصوصاً أن معظم القروض هي قروض استهلاكية تمثل استهلاكاً حالياً من دخل يتحقق في المستقبل، وهي ضد الادخار (ادخار سالب) وتجعل الأسرة الخليجية تعيش في المنطقة السالبة، فتدفع تكاليف الاقتراض علاوة على تكليف المعيشة. والمهم هنا؛ أن الأسرة الخليجية تستطيع بتنظيم أنماط استهلاكها قلب المعادلة من الاقتراض إلى الادخار، والانتقال من المنطقة السالبة إلى المنطقة الموجبة دون أن يكون لذلك تأثير جوهري على مستوى معيشتها. وهناك عدة أساليب للادخار مثل تحديد نسبة ثابتة من الدخل تتراوح ما بين 10 إلى 30 في المئة – حسب مستوى الدخل وعدد أفراد الأسرة، أو تحديد مبلغ مقطوع للادخار عن طريق إيداعه في حساب مستقل أو الدخول في جمعيات. لكن أفضل أساليب الادخار هو ما يحقق التوازن بين الادخار والاستهلاك، وهذا يتطلب تحقيق التوازن بين حجم الاستهلاك في بداية الشهر مقارنة بنهايته من خلال الآتي: أولاً، تحديد الدخل المتاح للاستهلاك (الدخل الشهري مخصوماً منه المصاريف الثابتة كالإيجار وأقساط القروض، والمصاريف شبه الثابتة كفواتير الكهرباء والاتصالات وغيرها). ثانياً، قسمة الدخل المتاح للاستهلاك على أيام الشهر، وناتج هذه القسمة هو رقم جوهري يسترشد به لمعرفة مستوى الاستهلاك بشكل يومي أو أسبوعي، ومدى القدرة على الادخار. والأهم من هذه الأساليب وغيرها هو الشعور بأهمية الادخار، وإدراك أن أسوأ الناس تدبيراً هو أقلهم قدرة على الادخار. والسلوك الاجتماعي العام الذي لا يعير للادخار أي اهتمام حرف عدداً كبيراً من الأفراد عن الواقعية، فبمجرد الحصول على وظيفة –وقبل استلام أول راتب- يسعى عدد كبير من الأفراد إلى الحصول على قرض لشراء سيارة تفوق قيمتها إمكانياتهم الحقيقية. جزء كبير من تردي الأوضاع الاجتماعية لبعض الأسر الخليجية نشأ نتيجةً لسوء إدارة مواردها المالية وشؤونها الاقتصادية. وحتى الذين اقترضوا لغرض الاستثمار؛ اقترضوا بالحدود القصوى المتاحة للاقتراض، ودفعوا بها وبمعظم مدخراتهم في مغامرات غير محسوبة. وتحولوا إلى أفراد مؤدلجين – لا يكفيهم التحذير من المخاطر بل لابد أن يتعرضوا لها ويقعوا في الخطأ، وبعضهم لا بد أن يلدغ من الجحر الواحد مرتين. [email protected] *مستشار اقتصادي