تعرفت على أبرز الأعلام بمنطقة الشريف بعالية نجد برفقة الأستاذ محمد بن سيف جزاه الله خيرا احد أبناء بلدة الشعراء حيث أوقفني على جبلها العظيم ثهلان وواديها الخصيب المسمى قديما الكلاب ، والأعلام المشهورة حول ميدان معركة يوم الكلاب الثاني ومنها حذنة ومجيرة وتيمن والكلاب والرفايع ووادي الرشاء وشطب والبدي وخنوقة وبحار ووادي التسرير ووادي الرمادية وأبو دخن وعروى والبجادية والنضادية والنير ونطاق وما حولهم من الأرياف الساحرة . وبقراءة الأدبيات البلدانية القديمة والحديثة وروايات أيام العرب الأولى نجد أن هذه الأماكن تذكرنا بموضوعين لهما علاقة بعالية نجد : الأول: ميدان المعركة التي حدثت في يوم الكلاب الثاني والتي تمثلت في دفاع بني تميم ضد غزو بعض قبائل اليمن وشواهد الأماكن في الشعر الذي قيل عن تلك المعركة. والثاني : بيت من الشعر ينسب للشاعر المخضرم لبيد بن ربيعة العامري رحمه الله وهو : لاقَى البَدِي الكُلابَ فاعتلجَا ** مَوْجُ أَتِيَّيْهِما لِمَنْ غَلَبَا وسوف أتناول مناقشة معطيات الشواهد ومقاربة النصوص وتعريف الأماكن وآراء البلدانيين بحيث تتضح لنا الصورة الجميلة والشاعريه التي رسمها الشاعر لبيد بن ربيعة العامري لوادي الكلاب بمنطقة الشريف بعالية نجد وكيف دعدع سرة الرشاء كما دعدع ساقي الأعاجم الغربا . ولنبدأ بوصف أبو علي الهجري رحمه الله لمعالم المنطقة حيث قال :» وسألت الباهلي عن تيمن فقال : هضبة برأس الذَرو ذرو الشريف ، مغرب الشمس من حصن ابن عصام بيوم ، وسيل تيمن يصب على الكلاب . والكلاب واد به نخل وسدر وطلح ، وبجانب الكلاب ثهلان جبل عظيم ، علم أَسود به الوحوش ، عرضه يوم .» و قال ايضا : تيمن : بلد من شق الكلاب.» انتهى.(1) وهذا الوصف واضح وضوح الشمس . و تَيْمَنُ هذه هي التي تسمى في الوقت الحاضر هضبة تيما وتقع جنوب بلدة الشعراء في أعالي وادي الكلاب وهي إحدى الشواهد على ميدان معركة يوم الكلاب الثاني، حيث حلت الهزيمة على الغزاة في موقعة الكلاب فيما بين هضاب تيمن وحذنة ومجيرات وجبل ثهلان . فلجأ وعلة الجرمي حامل لواء الغزاة إلى هضبة تيمن معتصما بها وقال أبيات من الشعر مشهورة ، يذكر تيمن وحذنة وهن من أعلام ميدان المعركة: نجوت نجاءً ليس فيه وتيرة ** كأني عقابٌ عند تَيْمَن َكاسرُ كأنا وقد حالت حذُنُة دوننا**َ نعامٌ تَلاه فارسٌ مُتواتر وقال محرز بن المكعبر الضبي التميمي يذكر حذنة ومجيرات وهن من أعلام ميدان المعركة : دارت رحانا قليلاً ثم صبحهم ** ضرب تصيح منه حلة الهام ظلت ضباع مجيرات يلذن بهم ** وألحموهن منهم أي إلحام حتى حذنة لم تترك بها ضبعا ** إلا لها جزر من شلو مقدام وقال الهمداني رحمه الله :» ومما يصالي الحمى (حمى ضرية) : بطن الرشاء وهو بظهر ثهلان إلى ذات النطاق ، ومن مياه ثهلان ذو يقن وذو قلحا والريان والكلاب والشعرا ، وأسفل من ذلك ذرو الشريف وغلانه ومياهه .» انتهى.(2) وقال ياقوت في معجم البلدان : «وقال ابو زياد : الكلاب اسم واد يسلك بين ظهري ثهلان .» انتهى (3) و هنا مختصر ماورد في روايات يوم الكلاب الثاني حيث أشار النعمان بن الحسحاس على قومه تميم فقال : يا قوم انظروا ماء يجمعكم ...... ولا أعلم ماء يجمعكم إلا قدة . فارتحلوا وانزلوا قدة - وهو موضع يقال له الكلاب - . فلما سمع أكثم بن صيفي كلام النعمان قال هذا هو الرأي فارتحلوا حتى نزلوا الكلاب وبين أدناه وأقصاه مسيرة يوم وأعلاه مما يلي اليمن ،......... وسوف نستعرض باختصار مفيد ما قاله البلدانيون عن وادي الكلاب وشواهده بعالية نجد: 1 – أجمع كل من أبو علي الهجري وأبو زياد الكلابي والهمداني ومحمد بن أبي حفصة والأصفهاني وسعد بن جنيدل مؤلف «معجم عالية نجد» على ان وادي الكلاب يقع بظهراني ثهلان ، أعلاه مما يلي هضبة تيمن وأسفله يسيل بوادي الرشاء. وهو ماغلب عليه في الوقت الحاضر مسمى وادي الشعراء . 2 – الشيخ محمد بن بليهد مؤلف «صحيح الأخبار» حام حول حمى الكلاب ولم يقع فيه حيث ذكر أن وادي الكلبة من روافد وادي الكلاب ولكنه صرف النظر عن ذلك فيما بعد ، واختار وادي عصيل ليصله بوادي السرة ومن ثم وادي الركاء. 3 – أما الأستاذ عبدالله الشايع مؤلف الكتاب الثاني من « نظرات في معاجم البلدان» فقد حام في سواد باهلة شرقا عن حمى الكلاب ولم يقع فيه. وحبر جزاه الله خيرا ما يزيد عن مائتين صفحة من الأدبيات البلدانية الممتعة خصصها في البحث عن ماءة قدة، وجبال القد . وكانت نتيجة البحث استبدال مسمى عرض شمام المشهور أو عرض سواد باهلة ليصبح وادي الكلاب . ولو ان الأستاذ الشايع وفقه الله تحرى ماءة قدة عند الرفايع في جوف وادي الكلاب وحضن ثهلان لكان أرجح وأقرب وأوفق. حيث إن بئر الرفايع مشهورة بغزارة المياه وعذوبة الطعم، وكانت معطانا وريفا عذيا للبادية على مر القرون. وهي بئر جاهلية تم إعادة حفرها من قبل سكانها الأكارم. 4 – لم يفرق الشيخان ابن بليهد وابن جنيدل بين يوم الكلاب الأول الواقع بين البصرة والكوفة ويوم الكلاب الثاني الواقع بجوار جبل ثهلان واشتبها عليهما . ولكن ياقوت الحموي والشيخ حمد الجاسر والأستاذ عبدالله الشايع أفاضوا في التفريق بينهما بما لا يدع مجالا للخلط بينهما مستقبلا . هذا ما أحببت ذكره في هذه اللمحة من البحث بخصوص وادي الكلاب بعالية نجد المسمى حاليا وادي الشعراء . شاكرا لكم سعة البال . واستميح العذر ممن له رأي يخالف النصوص البلدانية القديمة المذكورة والشواهد الشعرية المأثورة عن ميدان المعركة. وإلى لقاء قادم إن شاء الله لمناقشة الأمكنة الواردة في قصيدة لبيد بن ربيعة العامري رحمه الله التي ذكر فيها التقاء سيول واديي البدي والكلاب، ووصف فيها عظمة السيول التي هطلت بغزارة وهو يرقبها في وقته وأثارت فضول كثير من البلدانيين فيما بعده. وهذا مطلعها الجميل : ياهل ترى البرق بت أرقبه * * يزجي حبياً إذا خبا ثقبا (1) نوادر وتعليقات الهجري (2) صفة جزيرة العرب (3) معجم البلدان