قد يكون موضوع الحديث عن «حي الفيصلية» أو حي «الغالة»، من المواضيع التي شهدت كثيراً من المتابعة من قبل المسؤولين ووسائل الإعلام وتناقلتها أحاديث المجالس. هذا الحي الذي قتلته سمعته، بعد جولة «الرياض» داخله، والذي يقع جنوب شرقي العاصمة في نطاق جغرافي يقع بين طريق الأمير سلمان شمالاً والدائري الجنوبي جنوباً، وطريق النهضة غرباً، والدائري الشرقي شرقاً، ويبلغ عدد سكانه (20) ألف نسمة، وتقطنه نسبة كبيرة جداًّ من الأجانب وممن لا يحملون «إقامات» أو «هويات ثبوتية». ويخدم الحي العديد من المرافق الحكومية، ويتوفر داخله مدرسة بنين متوسطة ومدرستا بنين ابتدائية ومدرسة بنات ابتدائية، ومركز صحي واحد ومركز للشرطة ملحق ب»شرطة الخالدية»، إلى جانب وجود مركز ل»هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، ملحق ب»هيئة حي الفاروق»، كما يوجد أيضاً داخله فرع لجمعية البر وروضة للأطفال وناد للشباب، وكذلك فرع لجمعية النهضة النسائية، من هنا يتضح للقارئ أن الحي ليس منعزلاً عن العالم كما يسمع عنه البعض، أو أن الجهات الأمنية لا تستطيع دخوله ولا تعود السيارات المسروقة بعد دخولها له كما يشاع عنه ذلك. «الرياض» تسلط الضوء على الحي، لمعرفة طبيعة سكانه، ولماذا ارتفعت نسبة الفقر والبطالة هناك؟، وما مستوى الخدمات التي يحظى بها الناس داخله؟. جماعات متفرقة في البداية قال «فضل حمد الشقيري» -عمدة حي الفيصلية-: إن سكان الحي كانوا يمثلون جماعات متفرقة قبل أن يقطنوه، حيث كان يقطن بعضهم في «حي الملز» والبعض الآخر كان خلف أستاد الملك فهد، وآخرون كانوا يقطنون الأحياء العشوائية، من خلال عيشهم في «عشش»، مشيراً إلى أنه بعد مسح الأحياء في عهد الملك فيصل، انتقلوا إلى هذا المكان «الغالة»، مضيفاً: «كان كثير منهم لا يحملون الهوية، وبعد حصول آبائهم على هويات في عهد الملك فيصل يرحمه الله، تم منحهم أراضي منح في هذه المنطقة، بل وأصبحوا يجتمعون كجماعات وأقارب، تربطهم صلة نسب، والبعض الآخر لا نعرفه»، ذاكراً أنه مع التزاوج كثر العدد، حيث كانت المعاملة في ذلك الوقت تختلف، فكان الأخوة اليمنيون يعاملون معاملة المواطن. أمهات الحي يشكين حال بناتهن من مخاطر العنوسة مشكلة التجنس وأضاف: مع مرور الوقت كان لابد من نظام الإقامة، فزادت معاناة من تزوجوا هنا ولم يملك أبناؤهم هوية، بل وأصبح كثير منهم يطالبون ب»التجنس»، وحتى الآن لم يحصلوا على طلبهم، والأمر ذاته ينطبق حتى على أبنائهم، مبيناً أنها مشكلة كبيرة لسكان الحي، حيث يعاني أبناؤهم من عدم وجود الهوية، فأصبح الشباب والشابات في مرحلة العمل دون عمل؛ بسبب عدم وجود الأوراق التي تخولهم للعمل، لافتاً إلى أن ذلك اثر كثيراً على الناس، بل وزاد مستوى الفقر والجريمة بسبب البطالة وعدم الإلتحاق بالتعليم. مثل الأحياء الأخرى وأوضح أنه بالنسبة للخدمات المقدمة للحي فإنها قائمة كما الأحياء الأخرى، مضيفاً أن الحي يقطنه الكثير من الناس الذين يحملون الهوية الوطنية وغيرهم ممن لا يحملونها، ذاكراً أن خدمات الطرق والخدمات الصحية والخدمات الأمنية والتعليمة، جميعها متوفرة، مؤكداً على أن الحي أُغلق بسبب المستودعات التي أصبحت تحيطه من كل مكان، حيث كانت هناك أوامر بإزالتها، لكن حتى الآن لم يتم التنفيذ، مشيراً إلى أن هناك قررات من الجوازات ومن المحاكم بخصوص الجنسية، لكنها لا زالت ضعيفة، والناس لا زالت تعاني من مشكلة تصحيح الوضع، وهو موضوع هام بالنسبة لشريحة كبيرة من السكان هنا. طفولة تعاني بسبب الزواج دون هوية انتشار الجريمة وأكد على أن من لديهم أبناء في سن المراهقة، فإنه شيء طبيعي أن تكثر الجريمة؛ بسبب البطالة والفقر، وبسبب عدم وجود العمل، الأمر الذي جعل من الحي مكاناً لمخالفي نظام الإقامة والعمل ممن يتوافدون إليه، وهذه مشكلة تؤثر على سكان الحي وعلى سمعتهم، مبيناً أن جميع السكان لديهم الرغبة في التغيير والنظافة والسمعة الحسنة، بل ولا زالوا يأملون بتصحيح أوضاعهم وإنقاذ أبنائهم من البطالة والجريمة، خصوصاً ممن لا زالوا يعانون من عدم تحسين الوضع. بطالة وفقر وكشفت جولة «الرياض» في شوارع الحي أبرز ما يعانيه سكانه، والمتمثلة في «البطالة» و»الفقر»، والتي تعود أسبابها الرئيسة للتركيبة السكانية للحي، والمؤلفة من خليط من السكان لا يحمل غالبيتهم الجنسية، فبعض منهم يحمل مستندات لمراجعة الإدارات الحكومية على أمل تصحيح وضعه، والبعض الآخر في الأصل يمني الجنسية، لكنه اقترن بمواطنة وأنجب أطفالاً بقوا دون هوية حتى تجاوزت أعمارهم العقد الثالث، فاغتالت العنوسة الإناث منهن، وقتلت البطالة والفراغ الذكور. انعدام الرقابة الصحية تهدد سكان الحي أما الخدمات فأكثر ما يعاني منه السكان يتمثل في مشاكل الإنارة ومشاكل الصرف الصحي والعشوائية في بعض الورش والمستودعات، إلى جانب الوضع المتردي للمطاعم والمتاجر من ضعف الرقابة البلدية على حد تعبير سكان الحي. إثبات الهوية كانت إحدى جلسات المعمرين من الحي هي إحدى محطاتنا، والتي كشفت لنا نصف الحقيقة، حيث اعترف لنا «عايش عبد الله» أنه يمني الجنسية يعيش في المملكة منذ أكثر من (50) عاماً، أقترن بمواطنه من سكان الحي، على أمل الحصول على الجنسية، مبيناً أن أبناءه يعانون من إثبات الهوية، فوالدتهم من المملكة، الأمر الذي جعل أبناءه عاطلين عن العمل والبنات دون زواج!. ولا تختلف معاناته عن معاناة «محمد سعيد» (65) عاماً، والذي أشار هو الآخر إلى أنه يقيم في المملكة هو وزوجته منذ (40) عاماً، ولديه تسعة أطفال، بينهم (6) من البنات، مطالباً بتصحيح وضع أبنائه. تواجد لدوريات الأمن بالحي نفس المشكلة وطالب «شروق عطية» مقيم في المملكة منذ (44) عاماً، بتصحيح وضعه، وقال: إن شقيقاتي أعمارهن تجاوزت (30) عاماً ولم يتزوجن بسبب التجنس، وأنا أعيش معهن في منزل بالإيجار. والمعاناة تزيد مع «يوسف سالم» الذي أكد على أن لديه ثلاثة من الأطفال لا يدرسون بسبب عدم إثبات الهوية، حيث تتراوح أعمارهم ما بين (8) سنوات إلى (10) دون تعليم. وأوضح «خاتم عبد الله» (88) عاماً أن أبناءه عددهم (8) ذكور، جميعهم يوجد لديهم إقامات، أحدهم تزوج بمواطنة على أمل أن يتعدل وضعه، ولم يلمس شيئاً حتى الآن. يقطنه نسبة كبيرة من الأجانب لا يحملون «إقامات» أو «هويات ثبوتية» أحياء إجرامية وحول قضية الحي وما يواجهه ساكنوه من عدم تقبل المجتمع لوجودهم والتعامل معهم، على اعتبار أنهم يمثلون مصدراً للمشكلات الأمنية والبيئية، حول هذه الرؤية قال «د.إبراهيم الزبن» -أستاذ علم الجريمة المساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض-: إن من المشكلات التنموية في المجتمع ظهور بعض الأحياء الهامشية أو ما يطلق عليها أحياناً العشوائية في أطراف المدن، والتي توصم أحياناً ب»الأحياء الإجرامية»؛ بسبب شكلها الخارجي وخصائص سكانها الاجتماعية والاقتصادية، مضيفاً أن هذه الأحياء تتصف بالعشوائية في التخطيط، حيث تنشأ بشكل غير منظم وفي فترة زمنية قصيرة، وبالتالي فهي تفتقد لكثير من الخدمات الأساسية، ومنها ضيق الطرقات وتعرجها ووعورتها، إلى جانب صعوبة الوصول لسكانها بسبب عشوائية توزيع منازلها. عدم وجود هوية جعلهم يقتاتون على الرصيف بيئة جاذبة وأضاف: هذه الظروف تجعل هذه الأحياء جاذبة للسكان ذوي الدخل المحدود، سواءً من السكان المحليين مثل المواطنين الذين يجدون فيها فرصا مناسبة للسكن والإقامة، طالما أنها تتناسب مع مستويات دخولهم الضعيفة، مبيناً أن هذه الأحياء تستقطب المهاجرين من خارج المملكة من الوافدين، والذين لا يلقون بالاً إلى مستوى الخدمات أو سوء المباني وعدم صلاحيتها للسكن المناسب، طالما أنهم لن يضطروا إلى إنفاق مبالغ كبيرة تؤثر على مستوى مدخراتهم المالية التي يفضلون تحويلها إلى ذويهم خارج المملكة، أو استثمارها في بلدانهم بدلاً من إنفاقها على إيجارات مرتفعة الثمن، مشيراً إلى أن التركيبة السكانية لهذه الأحياء مكونة من أشخاص ينتمون إلى جنسيات ولغات وأصول متباينة، وكذلك أسر ذات دخول اقتصادية ضعيفة تعاني من مشكلات اجتماعية تؤثر على استقرارها وتماسكها. تفريخ الجريمة وذكر أن نوعية سكان هذه الأحياء وظروفهم السيئة من النواحي الاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى رداءة مبانيها وسوء مستوى خدماتها، جعلها توصم بأنها بيئة مناسبة لتفريخ الجريمة والانحراف؛ إلا أن الدراسات العلمية التي أجريت على هذه الأحياء لم تتمكن من الوصول إلى نتائج تؤكد هذه الاتهامات، موضحاً أن ذلك انعكس على ساكنيها بالعديد من السلبيات التي زادت من حدة الإشكالات التي يواجهونها في مكان إقامتهم، فبالإضافة إلى معاناتهم اليومية بسبب افتقار هذه الأحياء للمتطلبات الأساسية لتوفير الحياة المستقرة والآمنة، فإنهم أيضاً يواجهون مشكلات عدم تقبل المجتمع لوجودهم والتعامل معهم، باعتبارهم يمثلون عبئاً على المجتمع ومصدراً للمشكلات الأمنية والبيئية. مراجعة الرؤية وأكد على أن هذه الرؤية -غير الواقعية- حرمت هذه الأحياء وساكنيها من الاستفادة من الفرص التنموية والحضرية في المجتمع، مطالباً بمراجعة هذه الرؤية والتعامل معها باعتبارها جزءاً من المجتمع ينبغي الاهتمام بها من خلال إعادة تأهيلها وتوفير الخدمات الأساسية لها وخاصة فيما يتعلق بتوفير الخدمات التعليمية والصحية الضرورية للحياة الإنسانية الكريمة لسكانها. كما أن ذلك من شأنه أن يحد من استقطابها للمنحرفين واستغلالها في نشاطات إجرامية تؤثر سلباً على استقرار المجتمع وأمنه. شباب دون عمل أقاموا ورشة داخل منزلهم غير صحيح ونفى العقيد «محمد الحماص» -مدير مركز شرطة الفيصلية والخالدية- ما يثار حول المخاطر الأمنية للحي على الأحياء الأخرى، وأن رجال الأمن غير قادرين على دخول الحي لضبط المطلوبين في القضايا الأمنية والجنائية، وعن إعادة المسروقات لأصحابها، قائلاً: إن ذلك مرفوض جملةً وتفصيلاً، مبيناً أن حي الفيصلية كبقية أحياء مدينة الرياض لايختلف في الوقائع الجنائية المعتادة، ويحظى بالتغطية الأمنية، إلى جانب أنه تتخلله حركة مرورية طبيعية بشكل يومي، نظراً لقربه من المناطق الصناعية والتجارية، بالإضافة إلى أن الحي يتمتع بعدة مرافق خدمية، منها مركز خدمة اجتماعية للشباب، وجمعية خيرية نسائية، وكذلك جمعية خيرية ومركز صحي «رعاية أولية»، ذاكراً أن مركز الشرطة يتلقى بلاغات مشابهة لبقية أحياء مدينة الرياض، ومن ذلك يتضح عدم صحة ما أشير إليه. إزالة الخردة وأضاف: عملت الجهات الأمنية بالتنسيق مع الجهات الحكومية مؤخراً على إزالة مواقع «الخردوات» و»السكراب» الموجودة داخل الحي، بل ولم يتبق سوى مواقع المستودعات، والتي يتطلب من الشركات والمؤسسات تأمين الحراسات الخاصة، للمحافظة عليها من تعرضها للسرقة أو الحريق أو الفقدان أو التلف، وعن الجولات الأمنية وأبرز ما لوحظ فيها، قال: إن دوريات الأمن تنتشر على مدار الساعة، وتغطي الحي أمنياً، وقد تم تكليف قوة أمنية بتوجيه من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض -حفظه الله- من عدة جهات مشاركة، وعمل جولات مفاجئة داخل الحي، للقبض على المتخلفين ومخالفي نظام العمل والإقامة والمطلوبين والمشتبه بهم، إلى جانب تفتيش المواقع المشبوهة، مشيراً إلى أن الحملات أثمرت عن القبض على عدد من المطلوبين والمخالفين من مختلف الجنسيات في قضايا متنوعة، مثل قضايا المخدرات وقضايا التزوير وتمرير المكالمات والسرقات وغيرها من القضايا. العقيد محمد الحماص الأمير سلمان لم يُقصّر في إعادة تأهيل الحي ضمن اهتمامات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض بتحسين أوضاع الأحياء العشوائية وتوفير البيئة المناسبة لقاطنيها، والتي تعاني من سوء الخدمات، شهد "حي الفيصلية" اهتماماً إنسانياً خاصاً من لدن سمو أمير منطقة الرياض خلال السنوات الماضية، وذلك في مجالات التعليم والصحة والحالة الأمنية وتشجيع الباحثين في إعداد الدراسات والبحوث، وكانت من وقفات سموه - يحفظه الله - توجيه بعض القطاعات الحكومية والأهلية بإقامة حملات توعية ومساعدات عاجلة وبرامج تثقيفية لسكان الحي، من خلال جولة بداخله؛ لتأهيل قاطنيه والوقوف على احتياجاتهم، مع زيارة المدارس والمنازل، إلى جانب تأهيل سكان الحي لخدمة أنفسهم. العقيد الحماص: يحظى مثل بقية الأحياء ب»التغطية الأمنية» واهتم الأمير سلمان بن عبدالعزيز بموضوع التعليم داخل الحي، وذلك من خلال إصدار توجيهاته الكريمة لإدارة التربية والتعليم قبل أعوام للنظر في متطلبات مدارس الحي؛ للإرتقاء بمستوى المدارس الموجودة هناك وطلابها، ومعالجة مشكلة تسرب المعلمين من مدارس الحي، حيث وضعت إدارة التربية والتعليم العديد من الحوافز التربوية التي تُرغب العمل في الحي، ومن أبرزها وضع الأولية لمديري المدارس داخل الحي ووكلائها في أخذ دورة مديري المدارس، وكذلك تخفيض نصاب معلمي المرحلة المتوسطة ومعلمي الإبتدائية، مع مساعدة معلمي مدارس الحي فنياً، والرفع من نموهم المهني، إلى جانب توفير النقل المدرسي وتكثيف زيارة المشرفين للمدارس، وتوفير الجو التربوي للمعلمين. وفي مجال الصحة والبيئة عملت فرق من وزارة الصحة وأمانة مدينة الرياض ممثلة في صحة البيئة زيارات ميدانية للحي، وتولت توعية الناس بطرق التنظيف للمنازل وخزانات المياه، وطرق المحافظة على البيئة المحيطة بمنازلهم ومدارسهم، مع تقديم العديد من الدورات في مجالات متعددة، كشفت في ذلك الحين أن الحي يزخر بمواهب في الرسم والطبخ، كما يزخر بالمتفوقين والمتفوقات في المدارس على الرغم من الظروف الأسرية الصعبة التي يعيشونها، حيث طلبت عدة فتيات تعليمهن الأساليب الصحية في الطبخ؛ لأنهن يجدنه ويرغبن في العمل في توزيع الوجبات من المنازل، كما أقيم في حينة العديد من ورش العمل لمساعدة الأهالي على التحول إلى أسر منتجة في الطبخ المنزلي والنسيج وتزيين الخزف وجلسات الأطفال. د.إبراهيم الزبن عدم إثبات الهوية أساس المشكلة عمدة حي الفيصلية