لماذا أشعر بأن العنوان أطول من المقال؟! لكن لندخل في الفكرة، هذا إن كان للفكرة رغبة في أن يكون لها صوت، وفي أن تتصادق مع الكلمة بدلا من أن تسجن باختيارها في عالم الصمت! في أحيان كثيرة أسأل نفسي سؤالا ساذجا حين أرى مواقف وتصرفات غريبة تخرج عن نطاق الأخلاق، وتعاند المبادئ؛ أتساءل: هل يعي الإنسان ويعرف أن ما يقوم به خطأ؟ بمعنى هل المرتشي يعرف أنه مرتشٍ، أم يصنف نفسه أنه شخص يسهل الأمور ويفك أزمات الناس لقاء مبلغ مالي بسيط؟ هل الذي يسرق من المال العام يعرف نفسه بأنه حرامي، أم أنه يعتقد أنه مجرد شخص فهلوي يعرف أصول اللعبة معتمدا على المقولة المشهورة "مال الحكومة سايب"؟ ويمكننا أن نضع طناً من الأسئلة والأمثلة الأخرى، كلها تصب حول فكرة واحدة، كيف يمكننا أن نبرر تحايلنا على المبادئ والأخلاق وكل ما يفترض أن يجعلنا بشرا ننتمي إلى عالم الأسوياء؟ أعتقد أن الإنسان - أي إنسان - ، ينشأ في داخله صراعٌ ما قبل أن يجد لنفسه مبرراً كي يقوم بهذه الأفعال؛ فالصراع الداخلي حالة نمرّ بها جميعا قد نتغلب عليها أو تتغلب علينا، لكن اللحظة الفارقة التي تحدد اتجاهنا ومسارنا هي لحظة خضوعنا لتبريرات مختلفه كي نقوم بعمل نرفضه، أو ترفضه مبادئنا، كأن نقول الغاية تبرر الوسيلة، أو "يعني جت علي" وكأن الآخرين مقياس يحدد ثرموميتر أخلاقنا، أو نُلبس أفعالنا هذه لباسا نبيلا يجملها في نظرنا، أو نسفه منها ونقلل من قيمتها ولا نصنفها ضمن التجاوزات الأخلاقية الخطيرة، كأن يبرر المرتشي فعله بأن ما حصل عليه مبلغ صغير يعتبره هدية ، أو هي حقه لأنه جمد في وظيفته منذ زمن طويل، أو يقول حين يسرع في تقديم خدمة لشخص ما على حساب آخرين بأن هذه مساعدة لشخص قد يحتاجه في زمن قادم. ونحن في هذه الحالة "نعوج المنطق" وحتى لو عاندنا فإننا نغيره بمنطق مطاطي وضمير أكثر مطاطية! الفاسد في أفعاله فاسد في منطقه، وفساد الأفعال قد ينتج عن فساد الأخلاق، وقد تفترض - لأنك ساذج مثلا - بأن هؤلاء الأشخاص قد يخجلون من تصرفاتهم الواضحة جدا، لكنك تجد البعض منهم يتفاخرون بها، بل إن منهم من ينصحك بأن تكون فهلوياً وأن تعرف أدوات اللعبة وتجيد أداءها حتى تكسب مرددين "إللي تكسب به إلعب به" أو يرمون في وجهك بالتساؤل المستفز:" من تظن نفسك؟ لست أفضل من غيرك!" ضاربين المثل بهذا أو ذاك ممن حصلوا على ما يريدون، وسبقوك في السلم الوظيفي وفي الاستقرار المادي وفي الوجاهة الاجتماعية، ولم يحدث ما يصيبهم بالندم، واصفينك بالتعنت والجمود وقلة الخبرة والمعرفة بأحوال الدنيا. قد تصمت، لأنك لا تملك ردا ولاتريد أن تدخل في جدل عقيم وقد تضرب كفاً بكف وتقول "على الدنيا السلام"..