كثيراً ما يوجه لي سؤال من المحيطين حولي عن سبب حرص البلديات على توحيد ارتفاع المباني وتحديد عدد الأدوار بكل حي، والحقيقة إنني أقف حائرا لا أجد إجابة مقنعة لهذا التساؤل سوى المحاولة للبحث عن مبررات مثل حرص البلديات والأمانات منها الحفاظ على الكثافة السكانية المتوقعة للحي ليتناسب وقدرة البنية التحتية المحددة، رغم معرفتي بعدم توفر الكثير من البنى التحتية في الكثير من الأحياء الجديدة والتي لها الدور المباشر بعد السكان في أي تجمع سكاني، ويظل السؤال حائرا على الرغم من حرص المعماريين والمخططين أو القائمين على البلديات بتعليلهم لهذه القررات بأنها تساهم في الحفاظ على خصوصية الساكنين حتى لا يكون هناك مبان أعلى من الأخرى. وكأن الناس يعيشون على أسطح المنازل أو في الأحواش متناسين مقابلة النوافذ لبعضها البعض في مسافة لا تتجاوز الأربعة أمتار، كما أن الحج الأوفر حظا هو الحرص على أن يكون مستوى ارتفاعات المباني متساويا وكأن الذي يسير الشوارع يراها محاطة بسور من الجانبين، حيث إن السور هو البناء الوحيد الذي تتساوى فيه الارتفاعات، في حين إن المعماريين وكذلك المخططين عند رغبتهم في تصميم مشروع يحرصون على أن تكون ارتفاعات كتل المباني ذات تدرج ويعلل ذلك لخلق حيوية أو تقديم تناغم جمالي وعدم حصر مباني وكتل المشروع خطين متوازيين. وإنني أجد هنا تناقضا غريبا بين ذلك المفهوم الجمالي وما يطبق في مدننا حتى أصبحت زيادة الأدوار تعد مكرمة تقدمها البلدية لبعض الأحياء حتى توسعت مدننا أفقيا بهذا الشكل الهائل مما أرهق البلديات واعترافها بعدم قدرتها على اللحاق بسرعة هذا التمدد الأفقي لإيصال خدمات البنية التحتية للأحياء الجديدة. إن خطوة أمانة مدينة الرياض في زيادة عدد الأدوار، وبالتالي رتفاعات البناء للشوارع الكبيرة في الرياض يدل عل تلمس هذه المشكلة والسعي لتقديم بعض الحلول، واعتقد أن الموضوع يحتاج إلى دراسة وشفافية عالية من قبل الأمانات والبلديات في تقديم تقنين وتنظيم يلي كافة المحددات الاجتماعية والاقتصادية والجمالية وتخلق التناغم المرغوب والخروج من خطوط الأفق المتساوية التي تشبه الأسوار إلى تقديم تدرج وتناغم يؤكد جمال العمران ضمن ضوابط تفتح المجال للإبداع. ٭كلية العمارة والتخطيط جامعة الملك سعود