تحلم إيران بأن تصبح دولة كبرى من حيث التسليح والنفوذ، ولو على حساب رفاهية شعبها واستقرار المنطقة، ونحلم في دول مجلس التعاون بأن نصبح دولا متقدمة تنعم شعوبها بالأمن والرخاء، وتنتشر فيها المدن الصناعية ويعيش فيها المواطنون بحرية وكرامة، تحلم إيران بأن تصبح البحرين نموذجاَ آخر للبنان وبه حزب مسلح كحزب الله، ونحلم بأن تصبح البحرين سنغافورة الشرق يجد فيها جميع أبناء الشعب كل مقومات الحياة الكريمة الآمنة. إيران دولة إسلامية مجاورة لديها إمكانات اقتصادية وتجارية وثقافية كبيرة، لكنها ابتليت بحكومات لديها أحلام توسعية، ففي عهد الشاه كانت إيران تحلم بأن تصبح الدولة الثالثة عالمياً من حيث القوة العسكرية، ساعدها في ذلك الدعم الكبير من الولاياتالمتحدةالأمريكية إبان الحرب الباردة بين المعسكر الغربي بقيادة أمريكا، والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي آنذاك. أتذكر جيداً تلك الصفقات الكبيرة من الطائرات والأسلحة التي كانت تنتجها الشركات الأمريكية وتشتريها إيران وتكدسها على حساب حاجات الشعب الأساسية، لكن حكومة الشاه سقطت بشكل سريع وبحرب إعلام قادها الملالي وحزب تودة ومجاهدي خلق من الداخل والخارج، وقد نجحت تلك الثورة بسبب الفقر والبطالة وانتشار الفساد، وحين قامت الثورة وتولى الخميني قيادة البلاد توجه نحو جيرانه ونحو القضية الفلسطينية بما يوحي بالدعم وحسن الجوار، لكن الحرب العراقية - الإيرانية أفسدت كل شيء، وعاد العداء والنظرة التوسعية أشد من الماضي مدفوعة هذه المرة بنكهة مذهبية بغيضة، مستفيدة من مأساة القضية الفلسطينية وإخفاق العالم في حلها، ولجم التجاوزات الإسرائيلية وما توقعه من ظلم على الفلسطينيين، ومحاولة الاستفادة من المتناقضات في بعض البلدان العربية لتؤسس أذرعا لها تحارب نيابة عنها كما رأينا في لبنان واليمن ومحاولة الاستفادة مما يجري في البحرين، وما قامت به في العراق حين واتتها الفرصة بعد الغزو الأمريكي وإسقاط النظام، وحل الجيش وجود الفراغ السياسي. ورغم هذه القتامة السوداء فإنني أرى أن جميع خطط إيران ستتلاشى وستتغلب الحكمة والمصالح الداخلية على فكرة تصدير الثورة للاسباب التالية: * تمثل إيران ثقلاً كبيرا للعالم الإسلامي وقد أثرت الثقافة الإسلامية والعربية وأمدتها بالكثير من العلماء والشعراء والفنانين، وما يجري في إيران ليس برغبة الشعب الإيراني الشعب المحب المسالم، لكنه نتيجة أخطاء قاتلة يتخذها قادة متعصبون لم يقرأوا التاريخ فركبوا موجة العزف على التعصب المذهبي وأحلام الإمبراطورية. والثورة الإيرانية في الوقت الحاضر تتخبط من الداخل وعدد الفقراء في إيران تجاوز العشرين مليون شخص، والناس لا يهمهم أن تصبح لديهم أسلحة وقنابل ذرية، بقدر ما يكون لديهم وظائف وكرامة وحرية، وهو ما يعاني منه الشعب الإيراني الآن، لذا فالتغيير قادم لا محالة سواء عن طريق صناديق الاقتراع، أو الثورة الشعبية على غرار ما جرى ويجري في بعض الدول العربية. * لدى دول مجلس التعاون إمكانات اقتصادية وفرص هائلة يمكن أن تجهض كل خطط إيران وتسد جميع تلك الثغرات التي تحاول إيران أن تنفذ منها إلى مجلس التعاون وإلى المملكة العربية السعودية بوجه خاص، متمثلة فيما نراها من محاولات يائسة لفتح جبهات في دول شمال وشرق وجنوب المملكة، لكنني أرى أن أهم الخطوات التي يجب أن تقوم بها دول مجلس التعاون مجتمعة لإجهاض مخططات إيران تتمثل في الآتي: 1. التركيز على مساعدة مملكة البحرين للنهوض باقتصادها، مع التركيز على محاربة الفقر وإيجاد وظائف للشباب وتحويل تلك القرى البائسة المتناثرة إلى مدن جميلة متوسطة الحجم تتوفر بها كل مقومات الحياة، وتخترقها الشوارع الفسيحة والحدائق، ويتعلم أطفالها داخل مدارس تعلمهم الحب والتسامح وتعطيهم الأمل، نحلم بجزيرة جميلة يقصدها السياح من كل مكان في العالم، وتحلم إيران بجزيرة يسكنها الفقر والأشباح وحاملو السلاح. 2. على دول مجلس التعاون أن تراجع جميع أنظمتها الداخلية لسد كل ثغرة قد تشكك في المواطنة لأي مواطن، رجلا كان أو امرأة، سنياً كان أو شيعياً، فالوطن للجميع، وكل ظلم قد يقع على فئة هو ثغرة تنفذ من خلالها خطط الدول المعادية، وقد أثبتت الأحداث أن الولاء للوطن عند أبنائه ليس له حدود وليس موضع شك، وقد رأينا ذلك في حرب العراق مع إيران التي استمرت ثماني سنوات، كيف حارب الشيعي مع السني ببسالة وشجاعة دفاعاً عن الوطن، وخاب أمل قادة إيران في دعم شيعة العراق، وخاب أمل صدام في دعم سنّة إيران. وفي المملكة العربية السعودية كان الشيعة مع إخوانهم السنّة يدا واحدة في بناء أكبر شركة بترول في العالم، وكانوا جميعاً مثال الانضباط والإخلاص. التفرقة على أسس مذهبية هي أشد ما أصاب الأمة الإسلامية منذ أكثر من ألف وأربع مئة سنة ولا يزال يبعثها ويعزف على متناقضاتها المؤدلجون والمتنفعون ومنهم قادة الثورة في إيران. 3. على دول مجلس التعاون أن تركز على الاقتصاد المزدهر والذي أساسه محاربة الفساد والتعليم الجيد واحترام الفرد وضمان حريته، والتغيير المستمر للقيادات مع تمكين القيادات الشابة، ومكافأة المتميزين ورعايتهم، ومحاسبة المقصرين وإبعادهم، فالاقتصاد القوي هو العمود الفقري للقوة العسكرية والرخاء الاجتماعي، والاستقرار السياسي. ولنا في دول مجلس التعاون أحلام وطموحات كثيرة ستتحقق إن شاء الله، لكن بحاجة إلى خطوات سريعة ومدروسة للوحدة وللتكامل بين دول المجلس، وخوض معركة البناء مجتمعين وعلى جبهات كثيرة أهمها الآن هي مواجهة أحلام إيران التوسعية، ومحاولاتها المستمرة لتجنيد الشباب العربي للمحاربة نيابة عنها، وما البحرين سوى جبهة واحدة لكنها الأهم تأتي بعدها اليمن وهذه لا تقل أهمية لكنها بحاجة إلى أكثر من ذلك، وقد كتبتُ عنها قبل عامين مقالاً تحت عنوان "خوفي عليك وخوفي منك يا يمن"، التحديات كبيرة لكن الطموحات والأحلام أكبر.