اذا كانت روايات زمن السبعينيات والثمانينيات وبعض روايات التسعينيات تعتمد على وسيلة الهاتف الثابت في الحوار كرواية «الوارفة»، «البحريات»، «عيون الثعالب»، «القارورة»، «هند والعسكر» وغيرها فإن الملاحظ ان مضامين تلك الحوارات، في بعض الروايات، لا تأتي معبرة عن طقس تلك المرحلة ولا الظروف التي تصاحب استخدام وسيلة الاتصال. أما الجيل الروائي الشاب فقد كان أكثر انجذابا الى توظيف فضاءات الانترنت في الحكاية العاطفية، وهو توظيف مناسب لمعطيات المرحلة، لكن هذا التوظيف ظل حاضرا بشكل أقرب ما يكون إلى التوظيف السطحي وكحالة استعراضية، ويظل الماسنجر هو الوسيلة الأكثر استخداما لدى الجيل الشاب، وبما أن تلك الحوارات هي حوارات مكتوبة فسنلاحظ أنها تكتسب لغة متكلفة حالمة، فيها الخيالات وفيها ذلك البعد الافتراضي، وهي أما أن تأخذ شكل التحاور العاطفي الذي يحاول أن يفلسف الأشياء وأما ان تأخذ شكلاً فكاهياً، فكمثال على الحالة الأولى سنجد هذا الحوار الحالم في رواية «بين علامتي تنصيص» لمظاهر اللاجامي: - نصف فراشة: إنما هنا أفكار تحلق بجناح واحد - نصف شريعة: تقولين بأن الأفكار تحلق بجناح واحد؟ لقد حان الوقت لأن تحلق الأفكار بجناحين، أن ما ينقص العالم هو الجناح الثاني، لقد حان الوقت لأن يتأنث العالم كي يصبح أجمل. - نصف فراشة: وأين هو هذا الجناح؟ أحان حقا وقته؟ - نصف شريعة: ما زال يختفي تحت عتمة الوقت. لكن المفارقة ان لغة هذا الحوار الحالم الذي كان بين تلك الشخصيتيين عبر الماسنجر قد تحولت إلى شكل آخر في المحادثة الهاتفية فأصبحت لغة مغايرة وكذلك اختلف إيقاع الحديث: - انتين ما تدري يعني - بلي ادري - ليشت تسألي أجل مادامك تدري؟ - بس ليطمئن قلبي - إيه - ويش الي ايه - يعني انتين سألتي وانا جاوبت ايه - قولها، ابغى اسمعها - أحبش « كذلك نجد أن الإيقاع والحالة الحالمة تتكرر في حوار آخر من رواية «أحببت ولم أر حبيبتي» للروائية ريم محمد، ونلاحظ أن تلك الحوارات حافظت على النكهة المتخيلة مستخدمة حتى الأسماء الافتراضية: «عاشقك المجنون: أتعلمين ما هي أمنيتي؟ - الملكة: ما هي - عاشقك المجنون: أن تكوني أمامي وأقبل يديك يا أميرتي. فأنا أسير في قصرك فافعلي بي ما شئت أميرتي، فأنا ملك يديك - الملكة: أنا أتمنى أن تكون أمامي لأتعرف عليك، فأنا متلهفة . - عاشقك المجنون: دعينا من كل هذا، دعينا نغرق في بحر الحب ونلعب بأمواجه.. إحكي لي عن بدايات تعرفك على المشاعر التي تتحرك بقلبك. لكن هذا الأسلوب الحالم ليس هو النموذج الوحيد في الحوار عبر وسيلة الماسنجر، ففي رواية «عين الله» لخالد المجحد جاء الحوار بشكل هزلي واقرب ما يكون للحوار الكوميدي بين بطلي الرواية. كذلك في رواية بنات الرياض اكتسب الحوار روح الفكاهة وغالبا ما تأني تلك الحوارات في مساحة طويلة، وهو أمر مبرر، في اعتقادي، بحكم كونه حواراً مكتوباً وليس حوارا شفويا: «كانت تضحك من شكوك جميع الذي تحادثهم والذين لا يصدقون كونها بنتا! - يا بوشنب اخلص علينا والله مانت بنية - ليه طيب ؟ - ياخي البنات ماصلات ودمهم ثقيل وأنت بصراحة محشش - يعني لازم أسوي نفسي ثقيلة دم عشان تصدق أني ماني ولد؟ - لا أنا عندي لك حل! إن كنت فعلا بنت، سمعنا صوتك . - هههههه، لا يا شيخ؟ كان غيرك أشطر! العب غيرها - تكفين بس عطيني الو، وإذا ما ودك بالتليفون خليها في المايك، بس عشان تثبتين لي إنك بنت مانتِ ولد. - عنك ما صدقت يا حبيبي - أخخخخخ، عورني قلبي على هالكلمة! لا خلاص، صدقت أنك بنت! كلمة حبيبي طالعة من بُقك زي الغسل! - هههههههههههه.. لا خلاص خليني أبو شنب أحسن من العسل وبلاويه - لا لا لا، أنا أشهد أنك أحلى شنبة « واحد ماهو عارف وش يختار ولد ولا بنت! محتاااار - أحسن. أما في الحوارات التي تستخدم وسيلة المسجات فهي تأتي مختصرة وتغلب عليها اللغة المتأنقة. يحاول فيها السارد أن يستخدم مهارته اللغوية كما هو الأمر في رواية «نكهة أنثى محرمة» لمحمد المزيني ورواية «سماء ثامنة» لأيمان هادي. التي نرصدفي الاختزال في تلك المسجات والتجادل العاطفي برغم أزمته في النص يأتي عبر وسيلة المسج: يكتب إليها (كفي ياحور) تصلها الرسالة، تحاول أن تقرأها بشكل آخر، بأي شكل، المهم ألا تقرأها بحروف الاهانة، ولاتستطيع إلا أن ترددها بما جبلت عليه طبيعة وثورة الأنثى ذات فقد. تكتب إليه (غادر الآن) وترتمي على فراشها تبكي بحرقة قدر أعاده إليها في وقت قدر لها أن تتنصل منه لآخر، وان لم تستطع حقيقة ان تخلعه من على جسدها، أو أن تزهقه من روحها، أو حتى أن يتجلى حاضرها بلا (هو). كذلك فإن الرسائل البريدية أحيانا تأتي كبديل للحوار المباشر وهي حيلة سردية يستخدمها السارد لكي يكشف تفاصيل الأزمة العاطفية، لكن تلك الرسائل هي اقرب للبوح وللاستعراض اللغوي كما هو في رواية «طوق الطهارة» لمحمد حسن علوان. أما غازي القصيبي في رواية «شقة الحرية» فقد استخدم الرسائل كإضافة للجدل الفكري وليس العاطفي بين طرفي العلاقة في روايته. حوار القضايا الاجتماعية: لأن أغلب الروايات السعودية تقدم نفسها كخطاب وعظي، نشهد كثيرا من الحوارات التي تكتسب ملامح الجدل الاجتماعي وأحيانا الأيدلوجي كما هو بدا في رواية «الأوبة» لوردة عبدالملك التي يتعذر الاستشهاد بها في هذه المساحة، فقد قامت الساردة، وهي في أوج حميمية الحوار في النص، بتوظف الحالة الأيدلوجية لأبطالها. أما في رواية «حياة مؤجلة» للبدر إبراهيم، فقد تمّ في حوار امتد من ص 40 - 48 استعراض كل قضايا المجتمع السعودي. أقتطف هذا الجزء من ذلك الحوار الطويل الذي دار بين فيصل ورزان: «همومنا أكبر من قيادة السيارة يا فيصل - نريد أن نكون جزءاً من المجتمع نساهم في بنائه. نريد أن يعترف مجتمع الذكور هذا بإنسانيتنا وإمكاناتنا، نريد أن نختار مستقبلنا وأن نقرر لأنفسنا ما نراه مناسبا. هل تفهمني يا فيصل؟ - أفهمك يا رزان وأوافقك، مجتمعنا ذكوري في تركيبته والسلطة فيه للذكور وهم لا يريدون أن ينازعهم أحد سلطانهم، ثقافتنا ذكورية تضطهد المرأة ولا ترى فيها سوى خادم لرغبات الذكر ومتعه الشخصية. أتمنى أن تزول معاناة المرأة لكن هذا بحاجة الى صبر وعمل. أنا من الرجال المتعاطفين مع قضية المرأة لكن التعاطف هنا لا يكفي، لا بد أن تقول المرأة كلمتها وأن تناضل لتحصيل حقوقها. إن الحوار العاطفي يتلون بألوان أطياف العلاقة في النص، لكن غالبا ما تغيب الحوارات الخاطفة المميزة، ومع هذا تصادفنا أحياناً بعض الحوارات اللافتة كالحوار الذي طابعه الارتياب في رواية «روحها الموشومة به»، وهو حوار مشابه لما هو في رواية «عيون الثعالب»، وهذا يعود إلى أن شخصيات الروايتين شخصيات مثقفة، وبالتالي فإن جمالية اللغة لها حضورها. «سألني: ما حدود وضوحنا - لا حدود - أتشمل أحاديثنا كل المجالات؟ - بالطبع . - حتى الجانب الجنسي؟ أخافتني الكلمة قليلا، لكنني مدفوعة بإثارة التحدي قبلت. بعد هذا الاستعراض الانطباعيي لنماذج من الحوارت العاطفية في الرواية السعودية سنصل إلى تصورات ورؤى مفادها أن عنصر الحوار، بشكل عام، هو من أضعف عناصر الرواية السعودية، وقد جاء، في اعتقادي، كنتيجة طبيعية للضعف العام الذي تشكو منه الرواية السعودية، فهناك ارتباك في استخدام اللغة في الحوار، إذ يأتي الحوار أحياناً باللغة الفصحى وغالباً لا ينجح الروائي في التعبير عن الشخصية باستخدام مثل هذا الحوار، أو أنه يأتي بلغة عاطفية مثقلة بالتكلف، لكن من الملاحظ أن الحوارات التي باللهجة المحلية تكون أكثر قدرة في التعبير عن الشخصية الروائية، كما يُلاحظ أيضا غياب ما يمكن أن نطلق عليه «اللغة الوسطى»، التي تجمع بين اللغة العربية الفصحى وبين اللهجة المحلية، التي، في تصوري، هي الأنسب في لغة الحوار العاطفي، أيضاً هناك هيمنة للسارد على شخوصه مما يجعل تلك الشخصيات تتحدث بصوت السارد أكثر منها بصوت شخصيات الرواية، كذلك نجد، في كثير من النماذج الروائية، أن الروائي ينحاز في إدارة الحوار لشخصية من شخصيات نصه، ففي الرواية النسائية مثلاً، نلاحظ في الغالب، انحياز الساردة للبطلة في مواجهة بطل النص. أما إذا التفتنا إلى مضامين الحوارات العاطفية فإننا لن نجد فيها ابتكاراً أو حتى رؤية مختلفة وحديثة، فهي إما أن تحاكي الحوارات الواقعية من دون أن تنجح بالضرورة في إضفاء تلك الواقعية على الحوار ذاته، وأما أن تكون حوارات متخيلة لكنه مخيال تنقصه البراعة والإتقان الكافيان لأن يضخا في روحه لمسة الحقيقية أو ما شابهها. كذلك فإن كثيرا من الروائيين والروائيات لا يتنبهون إلى حجم مساحة الحوار، فأحيانا تستطرد الشخصيات وتطيل في حواراتها من دون مبرر فني لمثل هذا الاستطراد وتلك الإطالة. كذلك نجد أن توظيف بعض المفردات في كثير من الحوارات يأتي في غير مقامه، ما يربك النّص ويضلل القارئ، وإجمالا فإن كل ملامح الضعف في الحوار العاطفي يمكن ردّه إلى عدم وجود حكايات عاطفية باهرة في روايتنا السعودية. ختاماً، تظل هذه القراءة الانطباعية عن الحوار العاطفي في الرواية السعودية مجرد إضاءة لعنصر من عناصر الحكاية العاطفية، وعلى الباحث والناقد والراصد لمنجز الرواية السعودية أن يكمل مثل هذه المهمة بأدوات منهجية تحتاجها الساحة الأدبية وسط تدفق الإصدارات الروائية الحديثة وتلاحقها.