تفيد بعض التقارير أن بلدان مجلس التعاون الخليجي قد تعاود فتح ملف ضريبة القيمة المضافة الذي تم إغلاقه مؤقتاً نتيجة الأزمة الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم. ومن أكثر بلدان المجلس تحمساً لذلك، كما يبدو، هي البحرين ودولة الإمارات. وهذا أمر مفهوم فالبحرين ليس لديها نفط تبيعه لتحصل من ورائه على عائدات تغطي النفقات اللازمة لمشاريع التنمية. أما دولة الإمارات فإنها تتكون من سبع إمارات جل نفطها المصدر يتم إنتاجه في إمارة واحدة هي أبوظبي ولذلك فإن بقية الإمارات تحتاج إلى إيرادات غير تلك التي تحصل عليها من الميزانية الاتحادية. أما بلدان المجلس الأخرى فإنها ترى أن إيراداتها قد تأثرت بعد دخولها منظمة التجارة العالمية جراء خفض معدل الرسوم الجمركية على الواردات. وهذا أمر تشكو منه كافة بلدان المجلس بعد أن أصبحت أعضاء في المنظمة المشار إليها. ولذلك فإذا ما جرى الاستماع إلى نصائح صندوق الدولي فإن ضريبة القيمة المضافة في المنطقة قد ترى النور في السنوات القليلة القادمة. وانتقاد صندوق النقد في هذا الوقت العصيب عليه قد يكون ليس مناسباً. فمديره دومنيك ستراوس هو الآن معتقل من قبل السلطات الأمريكية بتهمة الاغتصاب. واقتياد شخصية فرنسية مشهورة مثل دودي، كما يحب أن يسميه الفرنسيون، موثوق اليدين أمر صعب على الصندوق وفرنسا - وبالمصادفة فإن هذه الأخيرة هي أول بلد في العالم طبق ضريبة القيمة المضافة عام 1954. من ناحية أخرى فإنه من الصعب أيضا التغاضي عن كثير من الوصفات الضارة التي يقدمها هذا الصندوق لبلدان العالم الثالث. وتوصية ضريبة القيمة المضافة لبلداننا واحدة منها. وعلى أية حال فإن التعميم ليس بالأمر الصائب على الدوام. فقد تكون البلدان التي تم ذكرها في البداية (البحرين والإمارات) محتاجة لفرض ضريبة القيمة المضافة وذلك لأن مواردها المالية قليلة وإمكانياتها للإنفاق على التنمية محدودة. أما بقية بلدان المجلس فإن مواردها المالية، كما يبدو، كافية لتغطية عملية التحول الاقتصادي، خصوصاً إذا ما تم ترشيد الإنفاق. إنه من غير الواضح حقاً ما الذي يعنيه صندوق النقد الدولي عندما أوصى بلدان المجلس باعتماد ضريبة القيمة المضافة كوسيلة لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط. بالعكس فإن فرض ضريبة القيمة المضافة من شأنه أن يساهم في الحد من تنويع مصادر الدخل وفي زيادة الاعتماد على النفط. فخطط التنمية عندما استهدفت تنويع مصادر الدخل لم تقصد زيادة الإيرادات من خلال فرض ضريبة القيمة المضافة وإنما عبر تنويع القاعدة الاقتصادية وهيكل الناتج المحلي الإجمالي. ولذا فإن فرض ضريبة القيمة المضافة على الإنتاج المحلي وتخفيض الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة المنتجة في الخارج سوف يساهم في زيادة الطلب على هذه الأخيرة ويقلل من رغبة الناس في شراء السلع الوطنية. فإذا كان هذا ما يقصده صندوق النقد الدولي فهذا شأنه. أما بلدان المجلس أو بالأصح معظمنا فإنها لا ترغب، على ما يبدو، في فرض ضريبة القيمة المضافة وذلك لسببين على الأقل: الأول أن توصيات صندوق النقد الدولي سابقة لأوانها ولم يأت الوقت المناسب لتطبيقها بعد. والثاني أن هذه التوصيات لا تنسجم مع الثقافة السائدة في المنطقة. فنحن بلدان تعود فيها المواطن وصاحب العمل على الحصول على الدعم والمساندة من قبل القطاع الحكومي. وإذا كان صندوق النقد الدولي يشك في ذلك فما على خبرائه إلا أن يأخذوا ورقة وقلماً ويحصوا صناديق الدعم الاقتصادية المتعددة في بلداننا. وهذا أمر سوف يستمر حتى يتم تحقيق انتقال الاقتصاد في دول المجلس إلى اقتصاد متعدد المزايا النسبية.