كتبتُ عن الفوضى غير الخلاقة في مقالي السابق، وهي فوضى جلبتها لنا أمريكا، وغذيناها بما نملك حتى خسرنا أغلب ما نملك كعرب، وأهم شيء هو ارتهان الإرادة العربية. لكنني اليوم سأتكلم عن الفتوى غير الخلاقة، تلك الفتاوى التي لا تجد من يغربلها ويفقها جيدا قبل أن يخرجها للهواء، ليتلقفها الناس. اصبحت بعض الفتاوى تدخل لداخل النسيج الاجتماعي فتكاد تدمره، ولا أدري من أين تأتي، وكيف لا يفكر هؤلاء الذين يُعتبرون صفوة وهم قادة الأمة دينيا في آثار تلك الفتاوى على المجتمع؟! قد تمس بعض الفتاوى الجلد دون النسيج، وهذه غالبا تتعلق بغطاء المرأة وسترها خارج المنزل، وربما قد يتطلب الأمر ربط عينيها، ونقول لابأس لديها يدان تزيحان تلك الغمة. وعندما تم الحديث عن عملها تداعينا ككتاب للدفاع عن حقها بالعمل لأنه حق إنساني يتعلق بالكرامة في آن واحد، سمعنا البعض ولم يسمعنا الكثيرون، وقلنا الأيام ستحمل الجديد إن شاء الله.. لكن أن يدخل نسيج الأسرة وعمودها الأب بالذات فذاك شيء لا يمكن السكوت عليه أن يمر مرور ريح فاسدة وتمضي..فإذا سقط العمود تهاوى البيت كله.. سألت فتاة مغتصبة من والدها أحد المفتين عن الحل، وطلبت منه نجدة، المفتي تحامل عليها (الضحية) وطلب منها التستر بل نصح بعدم الاحتكاك بالآباء، هؤلاء الذين ربوا وغطوا من برد، وحملوا الصغار راكضين للمستشفيات ومرضوا. لم ينظرالشيخ إلى أن هناك مرضاً في الأب (الفرد) لابد من علاجه عاجلا، خاصة خيانة أمانة، ولكن السبب في الضحية التي لا تتستر.. وكان الأمر مذهلا، أولًا الستر والتستر داخل المنزل يأتي مع التربية الأولى، ولا يوجد أب سوي، سيرى مفاتن ابنته تثير غريزته، إلا إذا كان شاذا ومريضا.. وهذا يجب أن يأخذ حقه سواء بالقصاص أو العلاج حسب الحالة.. الشيء الذي يجب أن يعرفه مفتو الشاشات، ماذا في البلد من إمكانات تساعد الكثيرات على السلامة المنزلية من عنف التحرش أو العنف الجسدي، لابد للمفتين التزود بالمعارف المتاحة حتى يمكنهم التصرف ضمنها والاستفادة من خدماتها. كان بإمكان الشيخ أن يطلب من الفتاة اللجوء عاجلا للشؤون الاجتماعية، أو حقوق الإنسان، أو احد أقاربها لكي تبعد عن الجو الخبيث.. ولا ننسى أن هناك جمعيات عديدة ومؤسسات تعنى بهذا الشأن منها (الأمان الأسري) وأرقامهم متاحة، كذا أقرب مستوصف، وهناك تجد من يساعدها.. وقبل هذا وذاك العلاقة بالأم، إلا في حالة طلاق أو وفاة الأم، وهنا لايمكن ان تعدم الوسيلة.. لقد مرت خلال عملي بالشؤون الاجتماعية حالات، واستطعنا معالجتها بجانبيها النفسي والأمني، خاصة وأن الضحية تكون محتاجة لعلاج نفسي واجتماعي مكثف قبل أن تمارس حياتها الطبيعية. إن مطالبة الضحية ومن ثم البنات بمعاملة والدهن كمعاملة الأجنبي شيء يوجد خللًا بالنسيج الاجتماعي فيتحول الأب من عنصر للأمان وراحة البال، إلى عنصر من عناصر الخوف والرعب. وهذا أخشى ما نخشاه على مجتمعنا الأسري. شيخ آخر يسأله سائل،أبي لديه أربع نساء ويريد الزواج بالخامسة، فيفتي له الشيخ ليطلق واحدة.. فأي فتوى هذه التي بدلا من أن تساعد على تأسيس قوي مترابط مبني على وضع أسري سليم، أي فتوى هذه التي تتعامل مع الرجل كحيوان لا يمسك غريزته (بل الحيوان أفضل فله مواسم معينة، وأغلبهم لا يقرب أمه). وتعامل مع المرأة كعنز يسرح واحدة ليجلب أخرى، ماذا عن البيت والأبناء صغارهم وكبارهم ؟ وماذا عن نفقتهم وتعليمهم وعلاجهم ؟ هناك مرضى(بالشبق) وهذا المرض يوجد له علاج، دوائي ونفسي.. وهو ما لا يجب أن يغفل شيوخنا الأفاضل عنه. عفواً إلا النسيج الأسري رجاء كفاية تدمير له، نصرتم الذكور حتى ضاع حق الإنات، فلا تخربوه أكثر.. لا نريد فتاوى غير خلاقة..