الخط العربي إرث متجذر ، وهو بلا شك مرّ بمراحل تطويرية ، حتى استقر على هذه الحالة التي وجد فيها في صدر الإسلام والعصور التي تلت إلى يومنا هذا ، حتى غدا نمطاً فريداً بين سائر اللغات الإنسانية وخطوطها المختلفة . والخط العربي بمقوماته الجمالية من أكثر الخطوط التي يمكن تطويعها وتوظيفها في مجالات إبداعية متعددة وعلى رأسها النحت والرسم وبخاصة الرسم التشكيلي ، وذلك نابع بلا شك من المزايا الهندسية التي تتسم بها الحروف العربية من خلال مكونات الحروف من زوايا منفرجة وحادة ، ودوائر وأنصاف دوائر ، وخطوط مستقيمة ومتعرجة ومائلة ، ومثلثات وأشكال بيضاوية . وفن الخط كسائر الفنون الإنسانية موهبة ، ولكنها تحتاج إلى الصقل والترقية والتطوير . والخط العربي هو مفتاح الكتابة العربية ، وأهميته تنبع من أهمية الكتابة التي حث عليها القرآن الكريم ، وحث عليها الرسول (، مصداق ذلك أن مشتقات ( ك ت ب ) وردت ست مرات في سطرين فقط في قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق). . كما أن الرسول ( قد فرض على بعض أسرى بدر من كفار قريش أن يقوم كل واحد منهم لفداء نفسه بتعليم عشرة من أبناء المسلمين الكتابة والقراءة . وفئة الخطاطين ، فئة ذات قدرات فنية عالية ، لأن رسم الخط من أساسيات الأعمال الفنية اليدوية الأخرى . ومنذ فجر التاريخ الإسلامي تبارى الخطاطون في تجويد هذا الفن الإبداعي ، وبخاصة في مجال نسخ القرآن الكريم ، مع اختلاف نوع الخط من عصر إلى عصر كوفياً ثم ثلثاً ثم نسخاً في الوقت الحاضر . وإلى يومنا هذا يحرص المسلمون على اقتناء المصاحف التي خطت باليد مهما غلا ثمنها . ومع تطور التقنيات الحديثة في نسخ وطباعة المصحف الشريف ، إلا أن المؤكد أن هذه التقنيات والأدوات الحديثة تعتمد كليّاً على كفاءة الخطاطين المهرة لوضع الأسس لمثل هذه التقنيات الحديثة في كتابة المصحف الشريف . وهؤلاء الصفوة التي يحتفي بها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ، إنما هم نخبة أودع الله فيهم قدرات فنية رفيعة ، وظفوها في كتابة ونسخ أغلى وأجل وأعظم كتاب في تاريخ البشرية من لدن عزيز حكيم ، وأعظم به من شرف وافتخار! فالملتقى بلا شك سيكون اجتماعاً فريداً لكل الخطاطين الذين اصطفاهم الله وخصهم بهذه الموهبة المتميزة فانكبوا على نسخ المصحف الشريف ، كل بطريقته . والملتقى أيضاً فرصة سانحة لكل أولئك الخطاطين الأكفياء من أجل الالتقاء وتبادل الرأي والاستفادة من تجارب الآخرين في هذا المجال القرآني . الشكر والتقدير للقائمين على أمر الملتقى على هذه الخطوة الرائدة ، متمنياً للجميع التوفيق والسداد ، ولمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف المزيد من التقدم والازدهار، وللملتقى تحقيق أهدافه المنشودة بإذن الله .. وما التوفيق إلا من عند الله . * مدير جامعة الملك عبد العزيز