الخرافة عملية متوارثة من أزمنة طويلة عندما واجه الإنسان الزلازل والفيضانات والشروق والغروب والعواصف وغيرها، بدرئها بوسائله البدائية، ومع أن العقل أزاح الكثير من المعتقدات وفجر الاكتشافات والعلوم وأعطى النتائج وجاء المشكل ليس من الإنسان البسيط الذي يلجأ للسحرة وقراء الكفوف، والخلطات العشبية كمحاولة بائسة لإنقاذه من حالة نفسية أو مرض عضال.. ساحر القذافي الذي يخرج كل يوم بالتلفزيون ويدعي بأنه سوف يستدعي الجن والفيضانات والزلازل ويرسلها على أمريكا والدول الغربية الأوروبية وتركيا لأنه يملك تسيير سلاطين الجن بقدراته الخارقة، يداعب رغبة دانية يصدقها القذافي ويؤمن بها. وليست هذه بدعة مبتكرة، فبعد حرب 1967م والهزيمة العربية، جاء من يبشر بظهور العذراء في كنيسة الزيتون بالقاهرة كتعويض بخروج معجزة، وتلهية الشعب عن نتيجة قاسية نفسياً ومادياً، ولم ينته الأمر على البيوت العربية، فالرئيس الأمريكي «ريجن» لا يتخذ قراراً أو يحسم أحد الأمور الحساسة والاستراتيجية إلا باستشارة عرافة البيت الأبيض، ومثله الرئيس بوش الابن الذي اعتقد بأن يأجوج ومأجوج موجودون بالعراق، وأن الله طلب منه طرد صدام وانقاذ الشعب العراقي ومن ثم تحقيق الديموقراطية والعدالة كرسول للبشرية.. أيضاً خطيب الجمعة في إيران تحدث بأن المرشد الأعلى خامنئي نطق عند ولادته «يا علي يا ولي الله» ونجاد سبق أن أحاطته هالة وهو يخطب بالأمم المتحدة وقال إن الإمام المنتظر سوف يخرج من السرداب ولكن عملاء سريين غير مرئيين من ال«سي.آي.ايه» الأمريكية سوف يقتلونه عند ظهوره.. صدام حسين باحدى تقليعاته لم يكتف بالمهيب والأوصاف التي أسبغها على نفسه أو من مرتزقته، بل انتسب إلى البيت الهاشمي ليضيف هالة جديدة تضاف إلى مكارمه.. بعض هؤلاء يتسيّد ادارة دولة فيها علماء وفقهاء وفلاسفة ورجال قانون والعديد من المتخصصين بالثقافات وعلوم الاجتماع والاقتصاد وغيرها، وبالتالي فتسويق الخرافة، أي كان مصدرها دولة عظمى، أو بصار يرتزق من غيبياته، تضعنا أمام ظاهرة غريبة، نستثني من ذلك بلدانا عريقة تعمل على اختيار حكوماتها واختيار سلامتهم العقلية لأن جزءا من خطأ يرتبط بخرافة ما قد يشعل الحروب والدمار الشامل بوساطة زعيم أو رئيس وكذلك لابد من التأكد من حقيقة من يتبوأون هذه المراكز الخطرة لمسئوليات كبيرة.. لقد انتخب هتلر باقتراع حر، ولكنه استطاع بتأثير سحري أن يضع العرق الجرماني فوق البشر وهو خرافة قادت لحرب عالمية، وإسرائيل تمارس نفس الطقوس بتضليل اليهود ورفعهم لنفس درجات النازيين، ومع تقدم العلم ونتائجه الباهرة إلا أن الدعاوى ستستمر سواء بادعاء النبوة، أو الخوارج، ويبقى الإنسان مصدر القبول والرفض وأعني من يملك التفريق بين الخرافة ومنطق العقل والتعامل معهما بدرء المخاطر، لا المجازفة بأمور خارج الواقع المعاش أو حتى الافتراضي..