تحتفل روسيا هذه الأيام بالذكرى الخمسين لأول انطلاق للإنسان إلى رحاب الفضاء، حيث شهد الثاني عشر من أبريل من سنة 1961 انطلاق السفينة الروسية الفضائية والتي أطلق عليها اسم "فوستوك 1" (الشرق) حاملة الروسي يوري غاغارين إلى الفضاء. ليصبح بذلك أول رائد فضاء في العالم. وفي مثل هذا اليوم من كل عام يحتفل الشعب الروسي، بهذه المناسبة، وذلك تخليداً لذكرى تحليق أول إنسان في الفضاء الكوني. ذلك قبل 5 عقود تقريبا. ولد رائد الفضاء السوفيتي يوري ألكسيافيتش غاغارين، - يوم 9 مارس العام1934 لأسرة فقيرة في كلوشينو بالقرب من غزاتسك غرب موسكو في روسيا، وقد تمت إعادة تسمية مسقط رأسه باسمه العام 1968 تكريما له. كان والده نجارا، أما أمه فكانت مولعة بالقراءة، ترتيبه بين إخوته الأربعة الثالث، أخته الكبرى كانت معنية بتربيته لغياب والديه معظم الوقت لكسب العيش، كما الكثير من الأسر في الاتحاد السوفيتي. ولقد عانت أسرته الأمرين خلال فترة الحرب العالمية الثانية، حيث فقد شقيقيه أثناء الحرب عندما قام الألمان بأسرهما ولم يعودا حتى نهاية الحرب، ولم يتردد أساتذته في وصفه بالذكي، المجتهد، المتفاني في عمله، رغم أنه ترك التحاق أستاذه لمادة الرياضيات بالقوة الجوية للجيش الأحمر أثرا بارزا على يوري. ولقد تم اختيار غاغارين أثناء عمله في أحد مصانع الحديد الصلب لبرنامج تدريب في معهد التكنولوجيا في مدينة سرتوف، خلال وجوده هناك التحق بناد للطيران وتدرب على التحليق بالطائرات الخفيفة وبدأ اهتمامه بهذه الهواية الجديدة يزداد ويشغل معظم وقته حتى استطاع إتمام وإتقان فنون الطيران بشكل ممتاز ما شجعه على الالتحاق بالكلية الحربية للطيران في أورنبيرغ العام 1955 بعد إتمامه لدراسته في سرتوف. وفي الكلية الحربية قابل فالنتينا غوريشيفا وتزوجا العام 1957، وبعد تلقيه التدريب الكافي على طائرة ميغ-15 تم تعيينه في قاعدة جوية بالقرب من الحدود النرويجية في إقليم مورمانسك. وفي العام 1960 بدأ العاملون على برنامج الفضاء السوفيتي بعمليات بحث دقيقة للعثور على الأشخاص المناسبين من أجل تدريبهم وتجهيزهم للمهمة المرتقبة التي ستحدث تغيرا كبيرا على الساحة الدولية. فنجاح الاتحاد السوفيتي في برنامجهم لسبر الفضاء يعني أنهم قد سبقوا الولاياتالمتحدة في أبحاث الفضاء خاصة وأن تلك الفترة كانت تمثل تنافسا لا محدودا بين القوتين العظميين في ذلك الوقت في جميع المجالات والأصعدة. وقع الاختيار على «20» شخصا من بينهم يوري أخضعوا جميعا لشتى أنواع الاختبارات الجسدية والنفسية القاسية لضمان نجاح المهمة، كان على القائمين في البرنامج السوفيتي أن يختاروا أحد الاسمين «يوري غاغارين أو غيرمان تيتوف»؛ ليكون أول شخص يرسل للفضاء ووقع الاختيار على قصير القامة غاغارين لكونه الأكثر تميزا أثناء التدريبات والاختبارات بالإضافة لتمتعه بشخصية لطيفة وبسيطة. وفي 12 أبريل العام 1961 أصبح غاغارين أول رجل يرى الأرض من الفضاء الخارجي على متن سفينته الفضائية «فوستوك 1». وطبقا لأجهزة الإعلام الدولية آنذاك فإن غاغارين علق من الفضاء قائلا: "لابد أن يكون هناك خالق لكل هذا الكون"، وقد وجدت هذه الجملة في التسجيل الحقيقي، إلا أنه من سمعوها قاموا بمحوها، وأثناء وجوده في الفضاء تمت ترقيته من مساعد أول إلى رائد. ولقد أبدى السوفيت دهشتهم من عودة غاغارين إلى الأرض سالما حيث إنهم لم يتوقعوا ذلك، وأعجب الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف به، ومن ثم أصبح بطلا قوميا ما زاد من شهرته. وعلى خلفية ذلك أمر خروتشوف بزيادة الإنفاق لتطوير ترسانة الصواريخ السوفيتية على حساب الأسلحة التقليدية، ما أثار سخط المؤسسة العسكرية وكان أحد أهم الأسباب التي أودت بخروتشوف سياسيا. وبعد عودته إلى الأرض أصبح غاغارين أحد أهم المشاهير وراح يجوب العالم في حملة إعلانية للاتحاد السوفيتي غير أن ذلك ترك أثرا سلبيا أيضا، حيث أدمن الخمر ما لم يساعده كثيرا في حل مشاكله الزوجية وطلق زوجته وتزوج بأخرى، ثم عمل بعد ذلك نائبا في المجلس السوفيتي الأعلى ليساعد في تصميم مركبة فضاء قابلة للاستعمال لأكثر من مرة، وفي العام 1967 كان متواجدا عندما فشلت كبسولة الفضاء سويوز وعلى متنها الرائد السوفيتي فلاديمير كوماروف في دخول الغلاف الجوي. وفقا لطبيعة منصبه الجديد كنائب لمدير التدريب في «سيتي ستار» كان على غاغارين أن يقوم بالطيران مجددا على متن ميغ - 15 ليمنح أهلية الطيران مرة أخرى. وفي 27 مارس 1968 وأثناء قيامه بطلعة تدريب روتينية بالقرب من كيرزاتش تحطمت طائرة غاغارين نتيجة لخلل لم يعرف سببه، ما أودى بحياته وحياة المدرب الذي كان برفقته.