مما يؤسف له أن سلوك المحسوبية والواسطة ضارب الجذور في مجتمعنا عبر تراكمات تاريخية اعتاد فيها الكثيرون تنفيع (الأقارب) و(المحاسيب) على حساب الصالح العام وبإسراف شديد أحياناً مع أن الحكمة تقول (لن تجد إسرافاً إلا على حساب حق مضاع).. والعجيب أن هذا السلوك الاجتماعي المعتمد على أذرعة الواسطة والمحسوبية والتنفيع، انتقل إلى شركاتنا المساهمة في معظمها، مع أنها قطاع خاص يقوم على الربح والعدل والكفاءة في بيئة عالمية شديدة التنافس بعيدة عن العواطف، ومع أن أموال الشركات المساهمة ليست ملكاً لأعضاء مجالس الإدارات ولا كبار المدراء بل هي ملك لمئات الألوف من المواطنين الذين ينتظرون منها الربح والرشد والكفاءة التي لا تقوم إلا على العدل والحق والصدق.. إن انتشار الواسطة والمحسوبية في كثير من شركاتنا المساهمة هو ظلم فادح للمساهمين أولاً، ولموظفي تلك الشركات الجادين ثانياً، وظلم للاقتصاد الوطني كله ثالثاً، فهو يؤدي إلى هدر الموارد، وتحطيم المواهب، وإضعاف الأرباح، وانتشار ثقافة الفساد، ووجود البطالة المقنعة حتى في القطاع الخاص، ووجود تمييز بغيض بين الموظفين، فهناك (من لا يستطيع أن يرفع ظهره) من كثرة العمل ولا ينال ما يستحقه من ترفيع ومكافآت وحوافز لأنه (ما له ظهر) في الشركة، وهناك من يقوم بأسهل الأعمال ويتساهل في الدوام ويحظى بالترفيع والمكافآت لوجود (ظهر) قوي له في الشركة يدعمه ويقدمه بلا وجه حق.. إن القطاع الخاص بالذات - والشركات المساهمة العامة - جزء أساسي منه، يفترض فيه أن يقيم موظفيه بالعدل والحياد والنزاهة وفق الانتاجية والابداع وبنماذج قياسية تنصف الموظف المنتج وتخسف بغير المنتج.. فهذا يحقق العدالة ويكافح الفساد ويزيد الربحية ويقوي الثقة في الشركة ويفتح أبواب التقدم والنجاح للشباب السعودي المنتج والمبدع على مصاريعها، فالقطاع الخاص إذا قام على أساس العدل والموضوعية والنزاهة ومكافأة المبدعين والمنتجين يكون مصدراً للابداع ومدرسة للتقدم الإداري ومكسباً هائلاً للوطن اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، إذ ينشر ثقافة العدل والحق والصدق.. أما إذا تفشّت في شركاتنا المساهمة المحسوبية والواسطة وتنفع الأقارب والأحباب على حساب الشركة ومساهميها وموظفيها الجادين فإن ذلك ينشر الفساد والإحباط وينزع الثقة من تلك الشركات ويحول دون تحقيق التنمية المستدامة والتي تشمل نمو الاقتصاد والإدارة والكفاءات في سباق جميل وجاد نحو العطاء والابداع ودعم المجتمع بشكل يرسخ فيه قيم الحق والخير والجمال.. فالجمال ليس في وجه امرأة جميلة فقط، ولكنه في أشياء كثيرة من أهمها تحقيق العدالة والنزاهة والكفاءة وقوة المنافسة الشريفة وإعطاء كل ذي حق حقه.