سأتحدث هنا على لسان الآلاف من الشباب والفتيات السعوديين الذين ينتظرون التفاتة حانية وذراعا قوية يتمسكون بها في الغربة. هؤلاء الشباب والفتيات هم الدارسون على حسابهم الخاص في الخارج، اولئك القوم الذين هجروا اوطانهم وأحبابهم وبذلوا الوقت والجهد والمال لتحصيل العلم، ولا شيء غير العلم. بل ان بعضهم ربما باع سيارته او عقاره وترك وظيفته ليركض خلف حلمه ويقفز درجات الطموح نحو الأعلى. الدارسون على حسابهم الخاص هم طلاب وطالبات اختلفت ظروفهم، بعضهم لا تنطبق عليه شروط الابتعاث، وآخرون يريدون دراسة تخصصات لا توافق عليها الوزارة وغيرها من الأسباب وقلة الحظ "وربما الواسطة" التي حالت بينهم وبين أن يكونوا ضمن برنامج الابتعاث. على أية حال، هؤلاء الطلاب والطالبات هم ابناء هذا الوطن وغاياتهم نبيلة ومسعاهم حثيث نحو التحصيل والطلب والمعرفة، فلماذا لا تقدم لهم الوزارة المعونة على تحقيق تلك الأهداف التي اغتربوا من أجلها؟ انا لا أطالب هنا بضمهم جميعا للبعثة، اذ اعلم صعوبة ذلك على الوزارة ولكنني أطرح اقتراحا من خلال "الرياض" يتمثل في أن نطلق عليهم اسم "نصف مبتعث" فان كانت الوزارة غير قادرة على ضم جميع الدارسين على حسابهم الخاص، فلتقم اذن بتحمل بعض اعبائهم، على سبيل المثال تقوم الوزارة بدفع مصاريف الدراسة فقط، او دفع مصروف جيب فقط، او على الأقل تحمل التأمين الطبي وفواتير التأمين التي ترهق جيوبهم! ما أعنيه هنا ان يشعر اولئك النفر بالدعم من قبل الوزارة الذي من شأنه اسقاط بعض الالتزامات المادية من فوق ظهورهم وتسهيل أمورهم المعيشية، ففي النهاية هؤلاء أبناء الوطن سيعودون الى أرضه ليخدموه فمن حقهم على الوطن أن يتحمل بعض اعباء دراستهم!. برنامج "نصف مبتعث" لن يرهق ميزانية الوزارة كثيرا وسيحقق الكثير، اذ ان ميزانية دعم ثلاثة طلاب من فئة "نصف مبتعث" تعادل ميزانية دعم مبتعث واحد! أضف الى ذلك أن الدارسين على حسابهم الخاص في الأعم الأغلب هم اناس أكثر جدية بكثير من بعض المبتعثين الذين لم يتعبوا كثيرا في الحصول على البعثة بل ان بعضهم (خصوصا من فئة المراهقين) يأخذون الأمر على محمل الهزل، والبعثة بالنسبة إليهم مجرد سياحة وعدد غير قليل منهم قضى قرابة السنة ونصفها وهو في مرحلة تعلم اللغة الانجليزية وللأسف لا يزال لسانه غير قادر على الانطلاق في محادثة عادية مع سكان البلد، ناهيك عن الذين لم يكملوا وعادوا قبل حتى بدء البرنامج. عندما يقوم الشخص بمغادرة أهله وبيته وربما أطفاله ويبيع جزءا من أملاكه ليدرس في الخارج فهذه دلائل توحي بمدى الجدية في التحصيل التي من المفترض أن يكافأ الطالب عليها بتحمل بعض التكاليف والاعباء. الأمل كبير في وزارة التعليم العالي التي قامت بالفعل بجهد خرافي خلال السنوات الماضية لاستيعاب الأعداد الضخمة للمبتعثين وتسيير امورهم، بتبني هذا المقترح الذي سيفتح الأمل لكثير من طلاب العلم الجادين باكمال دراستهم وتحصيلهم.