تستعد اسرائيل حالياً للشروع في حملة سياسية وإعلامية سعياً منها لاستغلال مقال القاضي ريتشارد غولدستون الذي اعتذر فيه عن التقرير الذي أعده عقب العملية العسكرية «الرصاص المسكوب» التي نفذتها إسرائيل في قطاع غزة 2008. ومن الافكار المطروحة للمداولة حالياً هي دفع غولدستون لارسال مقاله هذا الى الاممالمتحدة وجعله واحداً من وثائقها الرسمية. وقال موشي يعالون وزير الشؤون الاسترتيجية في مؤتمر صحافي أول من أمس أن إسرائيل تتوقع أن تُلغي الأممالمتحدة كل قراراتها التي صدرت استناداً الى تقرير غولدستون عقب مقاله الاخير، حيث قال «نحن نأمل أن يُرسل غولدستون مقاله للأمين العام للأمم المتحدة لتبرئتها من الاتهامات التي وُجهت لها في تقريره المشوه». وعلى نفس الطريق ظهر وزير الدفاع ايهود باراك عندما قال «يجب علينا أن نعمل لالزام غولدستون بالظهور أمام المحافل الدولية سيما الأممالمتحدة ليقول كلمته». أما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فقد أبدى طموحاً أكبر وهو العمل على إلغاء التقرير، غير أن إحتمال تحقيق هذا الهدف يبدو ضعيفاً جداً. وكلف نتنياهو مستشار الأمن القومي اللواء احتياط يعقوف عميدور بتشكيل فريق مشترك من وزارات الخارجية والدفاع والعدل لاعداد خطة عمل سياسية وقانونية في أعقاب مقال غولدستون. من جهتها أشارت مصادر في وزارة الخارجية الى أنه لا يمكن إلغاء التقرير السابق بحسب ما يريد نتنياهو، ورجحت هذه المصادر الى أنه في أفضل الأحوال سيكون من الممكن العمل على استصدار قرار جديد في الجمعية العمومية للامم المتحدة يقضي بانتهاء سريان مفعول التقرير السابق ، مع بقاء قبوله كاملاً كما هو. وقد وقعت حادثة مشابهة لهذه في تسعينيات القرن الماضي، فبالرغم من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والتفرقة العرقية في العام 1975، الا أنها تراجعت عن قرارها هذا العام 1991. وأوضح مصدر في الخارجية أن ما جرى العام 1991 كان نتيجة لانطلاق مسيرة مدريد وإنهيار الاتحاد السوفياتي. وأوضح المصدر «لقد تبنت الولاياتالمتحدة آنذاك المشروع وسارت به حتى النهاية، أما في ظل الواقع الدولي الحالي، وتراجع مكانة إسرائيل والجمود الذي اعترى مسيرة السلام يبدو أنه من الصعب تكرار هذا السيناريو». في الوقت نفسه رجحت مصادر في الخارجية بأن إسرائيل تستطيع في أحسن الأحوال إقناع القاضي غولدستون بكتابة فحوى مقاله في وثيقة لتقديمها للأمين العام للأمم المتحدة وهيئة حقوق الانسان التابعة لها، وبذلك يصبح المقال وثيقة ذات أهمية سياسية وقانونية. ويأمل السياسيون في إسرائيل من أن تؤدي هذه الخطوة الى دعم موقف إسرائيل في مؤسسات الأممالمتحدة وصد الهجمات المستقبلية عنها فيما يتعلق بعملية «الرصاص المسكوب»، والدفاع عن أي مسؤول إسرائيلي تُرفع ضده قضايا أو توجه له اتهامات في الخارج. وفي الجانب الآخر أثار مقال الاعتذار للقاضي غولدستون الفلسطينيين، حيث قال الناطق باسم رئيس السلطة نبيل أبو ردينه أن تغيير غولدستون لموقفه لا يُغير حقيقة إرتكاب إسرائيل لمذابح في غزة، أما نبيل شعث القيادي في «فتح» فقال أن اعتذار غولدستون لا يبرئ إسرائيل من قتل 1500 فلسطيني في القطاع، ورأى أن مقاله ليس الا نتيجة لضغوط لم يستطع تحملها. وذهبت حماس من جهتها في نفس الاتجاه وأكدت أنه التغير في موقف غولدستون جاء نتيجة لضغوط المنظمات اليهودية المؤيدة لاسرائيل. أما في الولاياتالمتحدة فاتسمت ردة فعل المنظمات اليهودية بالذهول من مقال القاضي الجنوب أفريقي غولدستون، وكانت المنظمة اليهودية ضد التشهير أول المعلقين، حيث قالت في بيان لها «أن ما خلُص اليه غولذستون في تقريره ألحق ضرراً كبيراً بإسرائيل وشجعت أعمال نزع الشرعية عنها». ودعت المنظمة القاضي غولدستون الى التوجه الى مجلس حقوق الانسان في الاممالمتحدة لتعديل تقريره الذي وضعه عام 2009، وقالت أن صحيفة «الواشنطن بوست» التي نشر فيها مقاله ليست المكان المناسب لما قاله. صحيفة «هآرتس»