في الأيام لماضية عاش الوطن في كل أرجائه، والشعب بكل أطيافه فرحتين في وقت واحد: عودة مليكنا الغالي من رحلته العلاجية معافى مشافى، وصدور الأوامر الملكية التي لامست حياة المواطن في مختلف الجوانب. وشملت كل الفئات أحياء وأمواتاً، وهي قرارات من شأنها أن تسهم في رقي الوطن، وفي رفاهية المواطن. وليس غريباً أن تصدر هذه الأوامر السامية في مبانها ومعناها من قيادة حكيمة دأبت على زف بشائر الخير والبركة لأبنائها ما بين آونة وأخرى؛ لتترك في النفوس بهجة، وعلى الوجوه فرحة، وفوق الشفاه بسمة. إنها القيادة التي تدرك حاجات الشعب ومتطلباته، وتعي حقه في أن يعيش حياة كريمة مستفيداً مما أفاء الله به على بلاده من خيرات هي أمينة عليها ومسؤولة عنها، وهو شعب مخلص وفي يبادل قيادته حباً بحب، ووفاء بوفاء وهي قيادة تستحق ذلك فحمداً لله على هذه المشاعر. وشكراً له على ما نحن فيه من نعمة وأمن يحسدنا عليها الآخرون الذين يعيشون أوضاعاً مأساوية في كثير من البلدان، وما اندحار دعاة الفتن والإفساد، وعدم قدرتهم على إثارة الشعب إلا أكبر دليل على الوفاء المتأصل، والحب الكبير. لقد جلست أمام التلفاز أتابع ما يجري في عالمنا العربي بعد أن هبت عليه عاصفة (البوعزيزي) وشبت فيه شرارة تونس، فاقتلعت بعضاً، وهزت آخرين، وخلفت مظاهرات صاخبة في كل مكان، ثم ضغطت زر (الريموت) فرأيت ما يجري في بلادنا في الوقت ذاته.. رأيت الحشود الهائلة من المواطنين وهي تتدافع في كل مكان ترقص وتغني مبتهجة بعودة قائدها فعجبت من هذا التناقض الصارخ: مظاهرات غاضبة في عدد من البلدان تندد وتطالب برحيل بعض الزعامات، ومظاهر فرح عارمة في كل مكان من مملكتنا العزيزة تردد الأهازيج فرحاً بمقدم قائد مسيرتها إلى بلده وشعبه بعد غياب هو في حساب الزمن ثلاثة أشهر ولكنه في حساب شعبه ثلاث سنوات.. صورتان متناقضتان تماماً، ومظهران مختلفان تماماً؛ فدعوت الله أن يلطف بأحوال إخواننا في تلك البلدان، وأن يولي عليهم خيارهم، وحمدت الله على ما نعيشه من أمن واستقرار سائلاً الله أن يديم على هذه البلاد ما ترفل فيه من نعمة وأمن، وأن يمنح ولاة أمرها العون والتوفيق ليواصلوا المسيرة في تحقيق آمال شعبهم، وتطلعات أمتهم. وما هذه القرارات الكريمة الحكيمة إلا حلقة في سلسلة طويلة من مشروعات الخير والعطاء تصب كلها في مصلحة الوطن، وخدمة المواطن مستهدفة تقدم البلاد وراحة الشعب وطمأنينته بجميع فئاته وشرائحه، فكل فئة وشريحة نالت نصيبها من قرارات الخير، لكن فئة مهمة في المجتمع لم تنل كل ما تصبو إليه، وهي فئة عزيزة على كل نفس.. فئة كافحت ثم ألقت السلاح وتركت الميدان لغيرها لتخلد إلى الراحة بعد رحلة عناء طويلة إنها فئة المتقاعدين، فهذه الفئة لها حقوق، وعندها مطالب نأمل أن تتسع لها صور ولاة الأمر، وأن يكون لها نصيب من قرارات الخير المباركة ومن أهمها: 1 - رفع الحد الأدنى للراتب التقاعدي إلى خمسة آلاف ريال، لمواجهة تكاليف المعيشة المرتفعة، ومتطلبات الحياة المعاصرة التي أصبحت الكماليات فيها ضروريات. 2 - منح المتقاعدين علاوة سنوية تساوي علاوة المرتبة التي كان يشغلها المتقاعد وقت تقاعده، أو تكون نسبة مئوية متدرجة على النحو الآتي: 10٪ للمتقاعدين الذين تقل مراتبهم عن السادسة و7٪ لمن تقل مراتبهم عن الحادية عشرة و5٪ لما فوق ذلك، ويؤخذ في الاعتبار ما يساوي ذلك في السلالم الوظيفية الأخرى. 3 - إعطاء المتقاعدين ومن يعولونهم تأميناً طبياً لحاجتهم إليه في وقت صارت فيه تكاليف العلاج باهظة، وصعب فيه العلاج في المستشفيات الحكومية. هذه بعض المطالب التي من شأنها الإسهام في الدعم المادي والمعنوي للمتقاعد، وإشعاره بنوع من رد الجميل بعد السنوات الطويلة التي قضاها في خدمة وطنه ودولته، معطياً في ذلك عصارة فكره، ومفنياً زهرة شبابه، ومضحياً بنفيس وقته وجهده. وربما تكون تكاليف الحياة بالنسبة له في هذه المرحلة أشق من ذي قبل فقد يكون عنده أولاد (بنين وبنات) لم يتزوجوا ولم يتوظفوا، وربما يكون لديه أكثر من زوجة، وكل هؤلاء لهم مطالبهم التي لا بد أن يلبيها بحكم مسؤوليته عنهم. إن الدولة رعاها الله وهي تنظر في أحوال مواطنيها لا أعتقد أنها تترك حداً من لفتة حانية والمقاعدون يمثلون شريحة مهمة في المجتمع تستحق العناية والرعاية، وتحتاج إلى توفير حياة كريمة لها تريحها، وتعينها على مواجهة ضغوط الحياة التي لم تعد تطيقها، ولا أخال حكومتنا الرشيدة إلا فاعلة ذلك إن شاء الله. حفظ الله لبلادنا أمنها واستقرارها في ظل ولاة أمرنا الكرام الأوفياء، أكتب هذا مؤملاً أن تتحقق هذه المطالب ومستمداً من الله العون والتوفيق فما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. *أكاديمي وكاتب