إن مؤشرات الاقتصاد الكلي ومنها مؤشر البطالة مهما اختلفنا على تعريفه يشير إلى تناقض بين ما يشهده الاقتصاد السعودي من نمو اقتصادي مطرد يرتبط به ارتفاع في الطلب على العمالة ثم تقليص البطالة، إلا أن معدل البطالة أخذ نفس الاتجاه متناقضا مع أبسط النظريات الاقتصادية (نظرية فليب) التي أثبتت ان العلاقة عكسية، فكلما ارتفع معدل النمو الاقتصادي كلما زاد توظيف الموارد البشرية وتقلصت البطالة، فلماذا لم يحدث ذلك في اقتصادنا؟ إنه يعود إلى عدة أسباب ابتداء من الموظف نفسه وانتهاء بالمنشآت نفسها ويتوسطهما الدور الحكومي غير الفاعل في وصل نقطة الابتداء مع الانتهاء. لقد حان الوقت للقضاء على البطالة وليس فقط تقليصها بل خلق وظائف بصفة مستدامة حتى يتم توظيف الأيدي العاملة القادمة. إذاً السؤال كم وظيفة جديدة نستطيع خلقها سنويا؟ دعونا نتحدث عن المستقبل انطلاقا من الحاضر لأن الحل يحدده ما سوف يقدمه القطاع الخاص في المستقبل من وظائف بدلا من الركود أو التراجع. إن رسالة خادم الحرمين الشريفين واضحة ويراد منها سد الفجوة بين العرض والطلب في سوق العمل، ما يقيس مدى قدرة المنشآت الخاصة على توظيف السعوديين مقابل الأجانب وبنسب هامة تستوعب النسب الحالية مع هامش نسبي لاستيعاب الأعداد القادمة حتى لا يتم التضييق على تلك المنشآت المتهاونة وغير المتعاونة. لكن ما هي آلية التضييق الفاعلة والمحفزة لهذه المنشآت لتوظيف المزيد من السعوديين؟ لأن غياب تلك الآلية سالفا تسببت في تلك البطالة المتراكمة، فإن مسألة التضييق هنا مسألة سياسات اقتصادية عامة يتم وضع آليات يسهل تطبيقها وتعديلها وصولا إلى الهدف المحدد وهو التوظيف الكامل للسعوديين. إن تلك الآلية تتمثل في جزأين: الأول عبارة عن فرض ضريبة متصاعدة على الشركات القادرة على استيعاب أكبر عدد ممكن من السعوديين لكنها لم تفعل ذلك، حيث إن عدد الشركات فقط المتداولة في سوق الأسهم 145 شركة وبرؤوس أموال تزيد عن 100 مليون ريال يستطيع معظمها توظيف عدد كبير من السعوديين وبنسب لا تقل عن 90% ويرغب السعوديون العمل فيها. إذ أن المنشآت التي تزيد عمالتها عن 50 عاملا وبرأس مال يزيد عن 10 ملايين ريال يجب أن توظف السعوديين بدون وضع نسب سعودة وإنما يتم تقييم المنشأة بصفة دورية قد يكون سنويا من خلال تقييم فرص التوظيف الممكنة للسعوديين بناء على طبيعة عملها وحجم عمالتها ورأس مالها. أما الجزء الثاني عبارة عن حزمة من التنظيمات والحوافز التي ترغب السعودي في العمل وتسهل على المنشآت توظيف السعوديين. هذه الأنظمة يجب أن تشمل توحيد ساعات العمل التجارية لفترة واحدة وتطبيق نظام الساعات وحصول الموظف على قرض عقاري في حال توظفه في أي وظيفة لمدة قد تكون سنة واحدة. كما يمنع الترخيص لأي نشاط تجاري لا يعمل فيه السعودي بنفسه أو يعمل نيابة عنه سعودي حتى يتم القضاء على ظاهرة التستر ويتيح فرصا كبيرة أمام السعوديين المبادرين لبدء مشاريعهم الصغيرة مع الحد من احتكار القلة الذي يتبع سياسة (التمييز) بامتلاك أكبر عدد من الماركات التجارية في نفس الصناعة ولكن بأسماء مختلفة توحي بتعدد الملاك ولكن في الواقع هو مالك واحد يسيطر على أكبر حصة سوقية في الأسواق التجارية ويمنع دخول المنشآت الصغيرة التي لا تستطيع منافسته عند أسعار قريبة من التكلفة، ما يحرم الكثير من المبادرين من امتلاك مشاريعهم الصغيرة أو يؤدي إلى فشلهم خلال العام الأول من بدء أعمالهم وإلا لماذا مشاركة المنشآت الصغيرة في إجمالي الناتج المحلي أقل من 30%؟. أما على مستوى المنشآت فانه يجب وضع معايير صارمة لقياس أداء الموظف تحدد سلوكه العملي وانضباطه وإنتاجيته في صيغة عقد رسمي موحد يحددها ويحدد مدة العمل ومدة الإشعار بالاستقالة لا تقل عن 6 شهور حتى يتمكن صاحب العمل من إيجاد سعودي آخر، فضلا عن تقديم بعض الحوافز سواء كانت نظامية أو مادية لتلك المنشآت الملتزمة والمتعاونة. أما على مستوى الحكومة فإنه يجب وضع مؤشر أسبوعي للبطالة يوضح الفرق بين ما تم توظيفه ومن هو عاطل وذلك بناء على بطاقة العمل الالكترونية التي تثبت أن السعودي ما زال عاطلا أو تم توظيفه، ما يمكن الجهات الرسمية والقطاع الخاص من معرفة حقائق سوق العمل لاتخاذ القرارات ووضع السياسات المناسبة. *عضو جمعية اقتصاديات الطاقة الدولية * عضو الجمعية المالية الأمريكية