الفضل في هذا المقال يعود لقارئ يدعى علي كردي ذكّرني بطريقة مفيدة للتعمق في أي مشكلة تدعى خمسة ليش أو (5 Whys).. وقد طورت أصلًا في اليابان بفضل مهندس يعمل في شركة تويوتا يدعى ساكيشي وأصبحت حاليا حجر الأساس في تحسين نظام الجودة في المصانع اليابانية! فبعد المقدمة والسلام يقدم مثالا من واقع الحال يقول فيه: ... خذ مثلا ابنتي الصغيرة فاتن التي تسألني سؤالاً ما فأجيب ، ثم تعود وتسأل : لييييش؟ ، فأجيب فتسألني مجددا: طيب لييييش؟ فأجيب: عشان كذا وكذا، فتعود للسؤال: طيب ليييش كذا وكذا حتى أنكشف في النهاية وأعجز عن تقديم إجابة حقيقية لسؤالها!! وبطبيعة الحال جميعنا مر بهذا الموقف مع أطفاله ؛ فهم يعودون لتكرار نفس السؤال حتى يصلوا ويصلوا بنا معهم إلى جوهر المشكلة.. خذ كمثال الحوار التالي: سيارتك لا تعمل فتخرج لفتح غطاء المقدمة فيسألك طفلك الصغير: 1. اييييش فيه يابابا؟ = يبدو أن البطارية لا تعمل... 2. وليييش البطارية لا تعمل؟ = يبدو أن الدينمو لا يشحن... 3. وليييش الدينمو لا يشحن؟ = لأن السير مقطوع... 4. وليييش السير مقطوع؟ = لأنني لم أغيره منذ مدة... 5. وليييش لم تغيره منذ مدة؟ = أوووف ؛ لأنني لم أتقيد يوما بجدول الصيانة... وهكذا تكتشف أن مشكلتك الحقيقية ليست في البطارية ولا انقطاع السير بل في أنك شخص كسول وغير منظم لم تأخذ سيارتك يوما للصيانة!! ... وبعيدا عن سيارتك وطفلك الثرثار خذ الحوار التالي كمثال لما يجب أن تكون عليه الحرفية الصحفية: 1. صحفي يسأل معالي الأمين سؤالا بسيطا ومتوقعا : لماذا غرقت جدة؟ = الأمين: لعدم وجود نظام فعال لتصريف مياه الأمطار؟ 2. ولماذا لا يوجد نظام لتصريف مياه الأمطار؟ = الأمين (محاولا تدارك الأمر): لم أقل إنه لا يوجد ؛ قلت إنه غير فعال؟ 3. حسنا لماذا هو غير فعال؟ = الأمين (محاولا التنصل): حكومتنا الرشيدة رصدت مليارات الريالات لإنشاء نظام كهذا؟ 4. إذاً لماذا لم نره حتى الآن؟ = الأمين (وقد حُصر في الزاوية): لسوء التخطيط وتقاعس المسؤولين السابقين؟ الصحفي: إذاً أين ذهبت المليارات التي تتحدث عنها؟ ... ولاحظ هنا أن أول جواب للأمين كان مستهلكا ومطاطا ولا يجيب عن جوهر المشكلة (فجميعنا يعرف أنه لا يوجد نظام لتصريف الأمطار).. في حين أن آخر سؤال، وآخر جواب، يختصران لب المشكلة، ويمسان حدودها المحرمة ويكشفان عن السبب الحقيقي لغرق جدة...!! وهكذا كلما سألت أكثر، تعمقت أكثر.. وكلما تعمقت أكثر، لمست الجرح واقتربت من جوهر المشكلة.. وبطبيعة الحال لستَ مضطراً لطرح السؤال (خمس مرات) كونك قد تصل لجوهر المشكلة من ثالث أو رابع سؤال في حين قد تحتاج لتكراره (بذات الصيغة والشكل) لست وسبع وثماني مرات.. خذ كمثال لقاءً أجراه الصحفي أحمد منصور مع رئيس أحد الأحزاب المصرية الذي تولى رئاسة الحزب لمدة أربعين عاما متواصلة ؛ فسأله: 1. إلى متى تنوي التمسك بكرسي الحزب؟ = فقال: الأنظمة تجيز ترشيح من يملك الكفاءة.. 2. سؤالي هو: إلى متى تنوي التمسك بكرسي الحزب؟ = أنا أعمل من خلال مؤسسة ترغب ببقائي في هذا المنصب.. 3. سؤالي كان: إلى متى تنوي التمسك بكرسي الحزب؟ = بدت عليه العصبية وقال: طالما كانت هناك انتخابات نزيهة سنحتكم إليها كلنا... سؤالي مجددا هو : إلى متى تنوي التمسك بكرسي الحزب؟ = وهنا أسقط في يده وقال بغضب : خلاص يا أخي ستكون هذه آخر مرة أجلس فيها عليه... ... وهكذا كان يعيده دائما إلى أصل الموضوع (بتكرار نفس السؤال) حتى استخرج منه وعداً متلفزاً يصعب التنصل منه مستقبلا !! ... وما يهمني شخصياً هو لفت انتباهك أنت لهذه الطريقة لتفكيك أي مشكلة واكتشاف أصلها العميق.. وفي حال احتجت لمزيد من الأمثلة ما عليك سوى مراقبة أطفالك...