ابتهاج وفرح استثنائي يسود مناخ الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين في المملكة على مدى الأسابيع الماضية بعد صدور الأوامر الملكية المتتالية التي استهدفت تحسين مستوى المعيشة لأبناء المملكة ، ووضع مزيد من أسس ضبط النزاهة المالية والإدارية في الجهاز الحكومي ، تلك الأوامر التي جاءت استثنائية في توقيتها وفي ثراء حزمة القرارات التي تضمنتها وشملت قطاعات عديدة من أبرزها الإسكان والعمل والصحة والأمن والتجارة والشؤون الدينية وغيرها مما لا يتسع المجال لإيراده فكيف بتحليل جوانبه واستقراء أبعاده الإيجابية على المجتمع ، من هذا الأفق الواسع لتلك الأوامر الملكية أجدني ملزماً أن أكتفي بالتركيز على أبرز تلك القطاعات التي نالت حصة كبيرة من مضمون هذه الأوامر سواء من ناحية الإنفاق المالي أو العناية والتوجيه بشأنها وهو قطاع الإسكان. لقد نال مجال الإسكان نصيباً ضخماً من مقدار التكاليف المالية لتلك الأوامر السخية ، حيث خصص له مائتان وخمسون مليار ريال من أجل بناء خمسمائة ألف وحدة سكنية ، إضافة إلى رفع الحد الأعلى للقروض السكنية المقدمة للمواطنين من صندوق التنمية العقارية ليبلغ خمسمائة ألف ريال بعد أن كان لا يتجاوز ثلاثمائة ألف ريال. إن ذلك العدد الكبير من الوحدات السكنية التي وجه الأمر الكريم بتنفيذها من خلال برنامج حكومي طموح تتولاه الهيئة العامة للإسكان يحتاج إلى نحو مائة وأربعين مليون متر مربع من الأراضي تقريباً وفق معيار وزارة الاقتصاد والتخطيط في احتياج قطاع الإسكان من الأراضي ضمن خطة التنمية الخمسية التاسعة الحالية ، وجزء كبير من تلك الأراضي إن لم يكن جلها متوفرا لدي الهيئة العامة للإسكان حالياً في معظم مناطق المملكة ، وما لم يتوفر منها وجه خادم الحرمين حفظه الله باتخاذ اللازم لتأمينه ، وهذا الرقم المستهدف من الوحدات السكنية الحكومية من المتوقع أن يستوعب حوالي ثلاثة ملايين مواطن سعودي للإقامة بتلك الوحدات ، والاستفادة من المرافق والخدمات المتوفرة لها ، ويعادل تقريباً هذا العدد من الوحدات السكنية التي سيتم بناؤها ما تم توفيره من مساكن عبر قروض صندوق التنمية العقارية للمواطنين على مدى أكثر من ثلاثين عاماً ، منذ إنشاء الصندوق وحتى الوقت الحاضر، كما يساوي هذا العدد من الوحدات السكنية أربعة عشر ضعف ما تستهدفه خطة التنمية التاسعة الحالية من وحدات سكنية يتوقع أن يوفرها سنوياً كل من صندوق التنمية العقارية والهيئة العامة للإسكان مجتمعين ، بل وأكثر من ثمانية وثلاثين ضعف الوحدات السكنية التي تم الترتيب والإعداد لتوفيرها من قبل الهيئة العامة للإسكان لوحدها سنوياً خلال أعوام تلك الخطة. إن ذلك البرنامج الضخم من المساكن الذي تضمنت تلك القرارت الملكية العزم والنية على توفيرها لم يحدد سقفاً زمنياً لتنفيذه ، إلا أن نص تلك الأوامر يوحي بمدى الأهمية والحاجة الملحة لبناء تلك الوحدات خلال أقصر فترة زمنية ممكنة ، دون أن يؤثر ذلك بالطبع على الظروف المحلية المحيطة بقطاع البناء في المملكة بوجه عام وبالذات في أسعار مواد البناء والأيدي العاملة جراء الطلب على كل منها ، لذا فإن عدم تحديد ذلك السقف الزمني هو مما يتيح المجال للبحث في كيفية تحقيق ما تهدف له الأوامر الكريمة في هذا الشأن من دون التأثير على السوق المحلي عبر دراسة مدى ملائمة وإمكانية استيراد نسبة من مواد البناء اللازمة لهذا الغرض من خارج المملكة ، وكذلك التعاقد مع نخبة من الشركات العالمية ذات التجربة الغنية في هذا المجال لإدارة وتنفيذ أعمال ذلك البرنامج الحكومي الواعد للإسكان الذي يستحق بالفعل جهازا وزاريا مختصا يتولى الإشراف على وضع خطته التنفيذية وتحديد فئات المواطنين المستفيدين من أنواع وحداته. ما لم نلمسه مباشرة من جوانب إيجابية للأوامر الملكية المتعلقة بقطاع الإسكان والتي من المؤمل أن نشعر بها خلال الفترة القادمة بإذنه تعالى هو في انخفاض أسعار الأراضي والوحدات السكنية التي يطرحها القطاع الخاص وعودتها لمعدلاتها الطبيعية لتتفق مع معدلات العرض والطلب لسوق الإسكان في المملكة الذي سيعمل هذا البرنامج الحكومي الضخم للإسكان على توازنها خلال المرحلة التالية في تنمية هذا القطاع.