البرنامجان الحكوميان للبطالة والإسكان ، اللذان حددت ملامحهما العامة الأوامر الملكية التي صدرت تباعاً خلال الأسابيع الماضية ، واشتملت على قدر كبير من الخطوات والإجراءات التي من بينها إحداث مئات من الوظائف في عدة قطاعات حكومية مدنية وعسكرية ، والتأكيد على قطاع الأعمال بعزم الدولة على المسارعة في سعودة الوظائف ، ومتابعة ما يتحقق من نسب في السعودة ، وما تتخذه وزارة العمل من إجراءات في إيجاد فرص عمل للمواطنين في القطاع الخاص عبر تقارير ربع سنوية ، واعتماد بناء خمسمائة ألف وحدة سكنية في كافة مناطق المملكة ، وتخصيص مبلغ إجمالي قدره مائتان وخمسون مليار ريال لهذا الغرض ، ورفع قيمة الحد الأعلى للقرض السكني من صندوق التنمية العقارية ليصبح خمسمائة ألف ريال ، وغيرها من الخطوات الأخرى يمكن النظر إليهما ضمن إطارين اثنين ربما اختلف أحدهما عن الآخر ، الأول يوحي بالاستقلال التام لكل من البرنامجين وعدم وجود أي رابط قوي وعلاقة مباشرة بينهما ، أما الإطار الثاني فيعبر عن وجود صلة وثيقة بين كل منهما يمكن أن تتحقق عبرها كثير من الأهداف التي يتطلع إليها كل من يحمل هموم هذين البرنامجين الحكوميين الإستراتيجيين ، النظرة من خلال الإطار الأول تتسم بأنها أحادية الرؤية محدودة الأفق تفتقد للشمولية في تأمل المستقبل ، أما النظرة من خلال الإطار الثاني فتتميز بأنها ذات بعد تنموي تبحث عما يعزز التكامل بين القطاعات الانتاجية في المجتمع وتحقيق أهدافها المشتركة. إن التعمق في النظرة التي يمكن الإبحار إليها عبر الإطار الثاني بحثاً عما يبرز ويؤكد إيجابيات الربط بين البرنامجين ستجد ضالتها على أكثر من صعيد ، لعل الأول منها ما قضى به الأمر الملكي الكريم يوم الجمعة الماضي من إعادة التمثيل المباشر لقطاع الإسكان نظراً لأهميته في الجهاز الوزاري للحكومة على نحو ما كان في السابق ، وما سيترتب على ذلك الأمر من نشوء لآلاف من فرص العمل في قطاع الإسكان بالمملكة ، ليس بالضرورة في داخل هذا الكيان الحكومي الوزاري فقط وفروعه داخل المملكة ، وإنما من خلال ما سيقترحه من سياسات حكومية في مجال الإسكان والعاملين فيه ومتابعة تنفيذ تلك السياسات على أرض الواقع ، وأثر ذلك في تنمية الاحتياج للقوى البشرية من العاملين في المؤسسات الحكومية والتابعة للقطاع الخاص التي سترتبط بهذ الجهاز الوزاري تنظيمياً في المستقبل، أو من خلال التكامل مع الإستراتيجيات والسياسات الأخرى في قطاعات التعليم العالي والصناعة والتعدين على سبيل المثال ، والعمل على إنجاح إستراتيجيات تلك القطاعات واستقطابها للأيدي العاملة الوطنية من خلال حافز توفير السكن لها في المناطق والمحافظات الواعدة تنموياً التي تتوجه لها البرامج والمشاريع التي تتضمنها تلك الإستراتيجيات. أما على الصعيد التالي لذلك فيتمثل في الذراع التنفيذي للبرنامج الحكومي الضخم للإسكان وهي الشركات الوطنية المتخصصة في هذا المجال ، التي يؤمل أن تتولى الهيئة العامة للإسكان إن ظلت باقية وهو المستحسن أو وزارة الإسكان إن تم الاكتفاء بها لتنظيم ممارسة تلك الشركات لأنشطتها الاستثمارية في هذا القطاع عبر أنظمة ولوائح تصدر لهذا الغرض ، وجعلها بالتالي أداة لتنفيذ برامج الهيئة أو الوزارة في تنمية هذا القطاع ، وما سينتج عن ذلك من الاحتياج للآلاف من الأيدي العاملة الوطنية من أجل العمل في تلك الشركات التنفيذية سواء في إنشاء مشروعات الإسكان الحكومي أو إدارتها وتشغيلها. إن من بين الشركات الوطنية المؤهلة لتكون نواة لذراع تنفيذي في البرنامج الحكومي الضخم لإنشاء خمسمائة ألف وحده سكنية بمختلف مناطق المملكة هي الشركة العقارية السعودية التي تمتلك الدولة حصة كبيرة من أسهمها بالإضافة إلى أنها شركة مساهمة عامة ، وذلك لو تمت دراسة إمكانية إعادة هيكلتها وتحويلها إلى شركة قابضة تمتلك عدة شركات متخصصة في مجال الإسكان ، سواء كان ذلك في تمويل مشاريع هذا القطاع ، أو تنفيذ شبكة المرافق والخدمات العامة لمشاريع الإسكان، أو إنشاء مباني الوحدات السكنية ، أو إدارة وتشغيل المجمعات السكنية فبرنامج إسكان حكومي بحجم إنفاق يتجاوز المائتين وخمسين مليار ريال حري بأن يكون المنطلق الذي نؤسس من خلاله استدامة التنمية في هذا القطاع الأساسي للمجتمع في الأمس واليوم وغداً ونطور ضمن منظومته كياناتنا الوطنية مثل الشركة العقارية السعودية ونحوها من الشركات المساهمة الأخرى المتخصصة، ونوجد عبر تنمية تلك الكيانات فرص العمل المستقبلية للآلاف من شبابنا.