فيصل القاسم اسم جمع الآراء المتضادة حوله فكُتَب عنه وعن برنامجه «الاتجاه المعاكس» عشرات المقالات التي تنتقده بشدّة وعشرات المقالات التي تهنئه وتمتدح أداءه. القاسم الذي يقدّم «الاتجاه المعاكس» عبر شاشة الجزيرة هل يعتبر أنّه يسير في الإعلام في الاتجاه المعاكس؟ يقول: «أعتقد أنّ الإعلام العربي الآخر بكل أشكاله هو الذي يسير في الاتجاه المعاكس في حين أن برنامجي يتقدّم بالاتجاه الصحيح لأنّ الإعلام أن لم يكن معاكساً ليس إعلاماً»! عند الاستفسار عن معايير الإعلام الذي يسير بالاتجاه الصحيح بحسب رأيه يوضح القاسم أنّ الإعلام في الغرب يُسمّى السلطة الرابعة، ويشير إلى أنّ هذه التسمية باتت ظالمة اليوم لأنّ الإعلام يجب أن يُدعى «السلطة الأولى» فهو الذي يصنع الرأي العام ويصنع السياسيين وكذلك السياسات، «ومن هنا فمن ميزات إعلام الاتجاه المعاكس هو أنّه يفضح، يقتحم، يكشف، يستفز، يحرّض... وإن لم تكن تلك مهمات الإعلام فعلى الإعلام السلام»! المستغرب أنّ الصفات التي تؤخذ على القاسم من استفزاز وتحريض يعتبرها هو من صفات الإعلام الصحيح، ويبرر ذلك بقوله إنّ الإعلام إن لم يقم بمهمة التنوير والتحريض الإيجابي، وحتّى الاستفزاز، يكون ناقصاً، «وما العيب في ذلك؟» يسأل، «ما العيب في أن تحرّض الشعوب على التحرّر، على التمسك بحقوقها والنضال من أجلها، على المطالبة بالديموقراطية وتحصيل الحقوق؟ وهل استفزاز الحكومات الطاغية والأنظمة الشمولية أمر سلبي؟» لكن هل يفوت فيصل القاسم أنّ ما قد يعتبره مخطئاً يمكن أن يُعتبر صحيحاً من وجهة نظر الآخرين؟ ألا يمكن أن تكون مساعدته للآخر بحسب منطقه هجوماً عليه بحسب منطق هذا الآخر؟ ألا يرى كلّ إنسانٍ الأمور من منظاره الخاص؟ على هذه الأسئلة يجيب: «حين نهاجم تيارات أو سياسات معينة لا نهاجمها من منطلق أنّ رأينا صواب ورأيها مخطئ، نحن نهاجم على أساس أنّ هذه السياسات في رأي الشعوب والإعلام والعالم من حولنا خاطئة ولا بد من استفزازها لتغييرها، نحن لا ننطلق من أساس أنّ في الأمر رأيين». فخ ما... لفيصل القاسم مؤلفات عديدة أحدها كتاب «الحوار المفقود في الثقافة العربية»، وانطلاقاً من هذا العنوان تجدر الإشارة إلى أنّ أكثر ما يؤخذ عليه هو مقاطعته الدائمة لضيوفه مع العلم أنّ الاستماع للآخر هو من القواعد الأساسية للحوار، فهل يُعقَل أن يكتب أحدهم كتاباً كاملاً حول الحوار ويقع في فخ عدم احترام أبسط قوانينه؟ قبل الإجابة عن موضوع المقاطعة يشير إلى مدى حاجة الشعوب العربية إلى الحوار، «نحن في حاجة إلى الحوار والمشاكسة والمناطحة في الإعلام العربي في شكلٍ خاص وفي الحياة العربية في شكلٍ عام، السياسية منها والثقافية والاجتماعية»، ويتابع «نحن أمّة تعيش منذ قرون عدة على مبدأ «احفظ واخرس» (وهو عنوان كتاب آخر له)، نحن أمّة تعيش على التلقين ولا تعرف الأخذ والرد»... ولكن ماذا عن مقاطعة الضيوف ومنعهم من إكمال فكرتهم ما دامت كلّ هذه الأمور واضحة عنده؟ يرد: «صحيح أنني أقاطع المتحدثين أحياناً، ولكن ليس من أجل المقاطعة بل يحصل هذا الأمر كجزءٍ من الحوار وجزء من عملية الأخذ والرد، أضف إلى أنّ البرنامج التلفزيوني لا يحتمل شخصاً يتحدّث لدقائق ودقائق من دون أن يتوقف لأنّ المشاهد سيمَل». ويفرّق القاسم بين مقاطعته هو للمتحدثين التي تتم وفقاً لتقنية مدروسة وبين مقاطعة الضيوف لبعضهم التي غالباً ما يكون هدفها التشويش ومنع الرأي الآخر من الظهور، «فيتحوّل الأمر إلى ما يشبه حديث الطرشان»! هنا لا بد من التساؤل: أليس الاستفزاز الذي يولّده المقدّم هو ما يدفع الضيوف للتحدّث بانفعال والانفعال يؤدّي إلى الصراخ والصراخ إلى حديث الطرشان؟ يميّز فيصل القاسم بين أنواع الانفعالات وتنوّع الضيوف، «أحياناً يؤدي ذلك إلى حوار الطرشان ولكن في أحيان أخرى إلى حوار ساخن يضع الإصبع على الجرح ويسمّي الأمور بأسمائها فيكون مفيداً للمشاهدين». ويتحدّث عن دراسة أجراها أحد الأساتذة السعوديين عن البرنامج أثبتت أن تسعين في المئة من الحلقات ساخنة ولكن هادئة، في حين أنّ عشرة في المئة فقط يتم فيها الصراخ، «ولكن للأسف، تلك الحلقات القليلة تعلق في الأذهان أكثر وتعطي الانطباع أنّ كلّ الحلقات مليئة بالصراخ». شخص هادئ فيصل القاسم يشير إلى أنّه إنسان هادئ لذلك فلا يجب أن يؤخذ عنه انطباع أنّه يشبه في الواقع شخصية المقدّم على التلفزيون، «أنا أحب السكينة وأكره المدينة والضجيج وأفضّل الابتعاد عن الأضواء والصخب». ويفصح أنّه خطر في باله أن يكون المشاهدون قد ملّوا من برنامجه ومن الحوارات الساخنة ومن الصراخ أحياناً، ولكن كلّ تلك الأفكار سقطت حين أوكلت قناةُ «الجزيرة» شركةَ «نيلسون» العالمية للإحصاءات بتقييم وضع البرامج في «الجزيرة» في 17 بلداً عربياً فكانت النتيجة أنّ «الاتجاه المعاكس» هو الأول في كلّ أنحاء الوطن العربي، وأن نسبة مشاهدته تفوق نسبة مشاهدة كلّ البرامج مجتمعة ويبلغ عدد مشاهديه نحو 80 مليون مشاهد! انطلاقاً من هذه الأرقام يجيب القاسم على موضوع الانتقادات الكثيرة التي يتعرّض لها فتلامس أحياناً حدود القدح والذم قائلاً إنّ الانتقادات السلبية مهما كثرت تبقى أقل من التعليقات الإيجابية الداعمة له وللبرنامج. ويوافق على الوصف الذي أطلقته عليه المجلة الأميركية «نورث أتلانتك» بأنّه «أكثر الإعلاميين العرب إثارة للاحترام والاحتقار في آن» مركّزاً على فكرة أنّ الاحتقار يأتي من الأقلية التي ينتقد البرنامج تصرفاتها وأنظمتها وسياساتها في حين أنّ الاحترام ينبع من قلوب المشاهدين الكُثر. بعد الاتجاه المعاكس، إلى أين يتّجه فيصل القاسم؟ «حالياً أجد نفسي متابعاً في الاتجاه نفسه بخاصّة أنّ نسبة المشاهدين عالية، وأؤكّد أنّني حين ألاحظ أنّ هذا الخط الإعلامي لم يعد مقبولاً سأنسحب وأبحث عن خط آخر». ماذا قد يكون هذا الخط الآخر؟ يقول: «لدي أفكار أقوى بكثير من برنامج «الاتجاه المعاكس» وأكثر حساسية، ولكن أعتقد أنّني لن أتمكّن من تقديمها إلا حين يفتتحون قناة فضائية في المريخ»!