إن عظمة الرقي الحضاري للوطن تقاس بمدى كرامة حياة أبنائه، ورغد عيشهم فيه، وتحقق التكافل الاجتماعي بين جميع مواطنيه، وشعورهم بالمسؤولية الاجتماعية نحو بعضهم البعض استئنافاً لحديثي عن كرامة الإنسان وحقوقها على البشرية جمعاء اؤكد أن الدين الإسلامي الذي ندين لله به وهو منهج مرسوم محدد المعالم، واضح الخطوط، ولا إبهام لقوانينه؛ لأنه محكم في كل أصوله بالقرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من رب العالمين.. دين كرس مفهوم كرامة الإنسان وحدد جميع صورها في آيات قرآنية كثيرة، وأحاديث نبوية شريفة، وجعل حماية الكرامة الإنسانية بجميع صورها مطالب شرعية لا تجوز مخالفتها، ولا انتهاك حرمتها (حماية النفس، والدين، والعرض، والمال، والعقل) ويؤكد ذلك ما جاء في خطبة الوداع من تحذير شديد لأي انتهاك لأي من هذه الحرمات (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا... الخ). إن عظمة الرقي الحضاري للوطن تقاس بمدى كرامة حياة أبنائه، ورغد عيشهم فيه، وتحقق التكافل الاجتماعي بين جميع مواطنيه، وشعورهم بالمسؤولية الاجتماعية نحو بعضهم البعض. ** ** ** يا حسرتاه على حالنا اليوم؛ إذ لا يقتصر إهدار كرامة الإنسان على إهانته بالقول الموجع كما يفعل بعض المتشددين الذين يرون أن الحق معهم وحدهم وما عداهم سفه وباطل، أو المعاملة الفظة من شخص لآخر، أو التكبر الممقوت زهواً كاذباً، وكبرياء خادعة، أو النظرة الدون إلى الإنسان إذا قل ماله، أو ضعف حاله، أو انعدم سلطانه؛ بل الأمر صار أدهى من كل ذلك؛ فها نحن نرى الأحداث حولنا تراق فيها الدماء بلا حساب، لأجل استمرار حاكم جائر، أو نظام ظالم، وهؤلاء القتلى لا وزر لهم إلا المطالبة بالعدالة، وطيب المعيشة. ** ** ** وكرامة الإنسان في وطنه أن يتحقق له أول ما يتحقق: توفير سبل الصحة له ولأسرته، وموارد العيش الكريم لهم، وبيت يجمعهم ويسترهم، ومؤسسات تربوية تعلمهم وتثقفهم، وتجهزهم للمساهمة في نهضة وطنهم ونمو بلادهم، وقبل هذا كله حماية أمنهم، والحفاظ على حياتهم، وشيوع العدل بينهم، واحترام حرياتهم المنضبطة، ومن البديهي أن ما أشير إليه لا يعني استواء الناس جميعاً في صور الحياة والعمل، لكن الضروري هو توحيد الحد اللازم حقيقة لمستوى حياة إنسانية كريمة. ** ** ** ولا عذر لمجتمع - بأفراده القادرين، ومؤسساته العامة، والخاصة - أن يعمل على توفير الضرورات الحياتية لأبنائه، وبخاصة المجتمعات ذات القدرة الاقتصادية، إن الأحداث التي انفجرت في الآونة الأخيرة في بعض البلدان كشفت عن حيف طاغ في الثراء عند فئة صغيرة نسبتها واحد في المئة من المواطنين يمتلكون سبعين في المئة من مجمل الثروات الوطنية، في حين أن تسعة وتسعين وهم الغالبية الساحقة من المواطنين لا يملكون مجتمعين غير ثلاثين في المئة من ثروات بلادهم، مما جعل حياتهم ضنكاً ظاهراً، وعوزاً متزايداً، وهواناً على أنفسهم وعلى الناس فانفجروا كالقدر الذي اشتد به الغليان. إن عظمة الرقي الحضاري للوطن تقاس بمدى كرامة حياة أبنائه، ورغد عيشهم فيه، وتحقق التكافل الاجتماعي بين جميع مواطنيه، وشعورهم بالمسؤولية الاجتماعية نحو بعضهم البعض. ** ** ** وحين تنادي هيئات حقوق الإنسان الحكومية منها والأهلية بصون وأداء هذه الحقوق للناس فإنها تهمل بقصد أو غير قصد هؤلاء الجياع العرايا، المشردين في الطرقات وتحت الممرات في كثير من الدول التي تدَّعي الرقي الحضاري، والتطور الاقتصادي، إنه تناقض صارخ بين هذا الواقع الموجع وبين ما يزعمونه من نهضة عليا وديمقراطية وتقدم. ** ** ** وأشد من ذلك نكالاً ما تمارسه الدول العدوانية، وفي مقدمتها إسرائيل من تجنٍ صارخ على الحقوق الثابتة للإنسان حسب كل الشرائع الدينية والأعراف والقوانين الدولية، وإهانة لكرامته، يتمثل ذلك في العقاب الجماعي المتكرر لأناس أبرياء، منهم الأطفال، والنساء، وكبار السن، من دون جريمة ارتكبوها، ويقطعون الماء والغذاء والدواء عن هؤلاء المقهورين؛ بل يمنعون وصول معونات الهيئات الإنسانية المرسلة لإغاثتهم، والزج بألوف الناس في السجون دون محاكمة لهم. ** ** ** أين كرامة الإنسان عند هؤلاء الطغاة الذين يمارسون التفرقة العنصرية ضد مواطني دولتهم، والذين يقيمون جداراً للفصل العنصري لا شبيه له في أي بقعة من العالم؛ هل هؤلاء وعوا ولو نذراً يسيراً من حقوق كرامة الإنسان، وعرفوا معناها، ويندرج إهدار كرامة الإنسان تحت ما نشاهده اليوم من وحشية بعض الحكام في قمع شعوبهم التي هبت تطالب بتحقيق الكرامة الإنسانية. ** ** ** ما أعظم ديننا، ولو حققنا بصدق كامل ما دعا إليه من حقوق كرامة الإنسان.. ما عاش شقي ولا مهضوم، ولا شكا ذليل أو مظلوم. ** ** ** وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.