الآراء لا تختلف بوجود عمالة زائدة على الحاجة في وطننا . تلك الآراء تأتي عبر القول المحلي والدولي ، وهذا الإجماع التقريبي يعطيها صفة المصداقية والصحة والدقة . قرأتُ – ولابد أنكم مثلي قرأتم – في صحافة رصينة ومجلات اقتصادية متخصصة غربية ، بأن من عوامل تثبيط همم اليد العاملة المحلية كثرة المنافسة الماهرة وغير الماهرة ، والتي لديها عمل ينتظرها عند استقدامها ، والتي ليس لديها عمل معيّن ، يستقدمها صاحبها وينثرها في الشوارع وبإقامات نظامية . فقد رأى مراسلون عمالة يصطفون في الصباح على جانبيْ الطرق ينتظرون من يطلبهم . ولا حاجة بالمراسل ليقول لنا هذا فنحن نلمسه ، لكنه يقولها لمنظمات العمل الدولية ولباحثي حالات الإنسان في مكتب العمل الدولي ، أو للمهتمين بالشأن الاقتصادي للمنطقة . ولاحظتُ أن الصحافة الغربية عند استعراضها للموضوع تعمد إلى استعمال مفردة " غراتيس " - Gratis ، وهي مفردة لاتينية المنشأ تعني (مجاملة) أو عطاء مجانياً ، ودون رسوم . وهم لا شك يعنون أن العمالة الكثيرة ، والحائلة دون أي استراتيجية تؤهل السعودي للعمل أو حتى لكسب خبرات مما يعرفه أولئك العمال المستقدَمون بتأشيرات مجاملة لقاء عطاء شهري يكسبونه من العامل . وتُجمع التقارير أن الحالة فريدة جدا ويقل بل ينعدم مثيلها في العالم . من بين أسباب عدة تعمل على تفاقم مشكلة البطالة في السعودية، تبرز مشكلة المتاجرة بالتأشيرات، أو "تجار الشنطة" كما يطلق عليهم. وتاجر التأشيرات هو شخص يتمتع بنفوذ غير عادي يحصل على عدد من التأشيرات مقابل مبلغ لايتجاوز الألف ريال لكل تأشيرة، لكنه يقوم ببيعها بمبالغ تصل لأكثر من عشرة آلاف ريال لكل تأشيرة. ويقول أحد المسؤولين إن تجار الشنطة يحصلون على تأشيرات بأعداد كبيرة لا تعكس حاجاتهم الحقيقية، ولكن القضية هي أقرب ماتكون بالمتاجرة. ورغم وجود أكثر من سبعة ملايين أجنبي داخل سوق العمل السعودية، تعلَّم غالبيتهم المهن والحرف بعد وصولهم للمملكة, فإن الطلب على الاستقدام لايزال مستمراً في غالبية المهن . وواضح أن وسائل الإرشاد والإصلاح عاجزة عن مصارحة تجار التأشيرات بأن تجارتهم معول هدم وخيانة، وليست في مصلحة الوطن وأنهم عنصر هدم وإفساد . والغريب أن ممارساتٍ كتلك ليست وعكة صحية عابرة ، بل هي أخطاء نصرّ على ارتكابها بشكل ملحوظ حتى أصبحت قاعدة..