يشكل المرض النفسي عائقاً أمام استمرار علاقات الفرد بأسرته والمحيط المجتمعي المقرب منه، إلى جانب ما يحدثه من تأثيرات سلبية على سلوكيات الفرد، ولذا يعد مرض الفصام من أشد الأمراض النفسية خطورة في هذه المرحلة الزمنية من الحياة المعقدة، والمتسارعة. وأوضحت صاحبة السمو الأميرة سميرة بنت عبدالله الفيصل الفرحان آل سعود- رئيسة الجمعية الخيريه للتوحد وانفصام الشخصية- على أن الانفصام مرض دماغي مزمن يصيب عدداً من وظائف العقل، وهو مجموعة من الاستجابات الذهنية تتميز باضطراب أساسي في العلاقات الواقعية، وتكوين المفهوم. وقالت في حديث ل»الرياض» إن من أبرز أعراضه الخوف من الناس واعتزالهم، والشكوى منهم، والتحدث مع النفس بصوت عالٍ، والضحك منفرداً، وعدم الاهتمام بالنظافة الشخصية وغيرها من الأعراض التي تصب في هذه الاتجاهات، مشيرة إلى أن مرضى الفصام من الممكن أن يصبحوا عدوانيين؛ بسبب بعض الأفكار الغريبة التي توحي للمرضى بعدوانية الأشخاص من حولهم، موضحة أن مرض الفصام يجمع بين الوراثي والمكتسب. وأضافت أن الجمعية السعودية الخيرية لمرضى الفصام تعد استراتيجية لمدة ثلاث سنوات، ومن بين أهدافها التعريف بالمرض، ونشر الوعي الثقافي عنه، ودعم الأسر في كيفية التعامل مع المريض، مشيرة إلى أن كل 100 شخص في المجتمع يوجد بينهم مريض بالانفصام، وفيما يلي نص الحوار: أعراض الفصام الأعداد تتزايد والحاجة ملحة لإنشاء مراكز علاجية متخصصة للمصابين * سمو الأميرة، هل من تعريف شامل لمرض فصام الشخصية وماهي أبرز أعراضه؟ - لاشك أن موضوع التعريف الشامل لمرضى الفصام هو محط أنظار الباحثين والمختصين منذ البدايات الأولى للحضارات الانسانية على هذا الكوكب الذي نعيش على ترابه، وقد كانت هناك محاولات عديدة في هذا المضمار لوجود تعريف شامل، ولكن من الصعوبة وجود هذا التعريف الذي قد يعود الى طبيعة هذا المرض، واختلاف نظرات العلماء نحوه، حيث تبنت الجمعية السعودية الخيرية لمرضى الفصام تعريفاً يقول إن الفصام «مرض دماغي مزمن يصيب عدداً من وظائف العقل، وهو مجموعة من الاستجابات الذهنية تتميز باضطراب أساسي في العلاقات الواقعية، وتكوين المفهوم، واضطرابات وجدانية وسلوكية وعقلية بدرجات متفاوتة، كما تتميز بميل قوي عن الواقع وعدم التناغم الانفعالي والاضطرابات في مجرى التفكير والسلوك الارتدادي، ويميل إلى التدهور في بعض الحالات»، ومن أبرز أعراضه الخوف من الناس واعتزالهم، والشكوى منهم، والتحدث مع النفس بصوت عالٍ، والضحك منفرداً، وعدم الاهتمام بالنظافة الشخصية وغيرها من الأعراض التي تصب في هذه الاتجاهات. نتواصل مع «الشورى» لإيجاد نظام يحمي المرضى النفسانيين ويضمن تقديم الخدمات لهم عدوانية ووراثة * هل مرضى الفصام من الممكن أن يصبحوا عدوانيين؟ - نعم، وذلك بسبب بعض الأفكار الغريبة التي توحي للمرضى بعدوانية الأشخاص من حولهم، وقد نتج عن هذا أن بعض المرضى قاموا بقتل أقرب الناس لهم. * هل هو مكتسب أم وراثي؟ - مرض الفصام يجمع بين الوراثي والمكتسب؛ فبعض الحالات يكون للوراثة دور أساسي، والبعض الآخر قد يكون نتيجة لعوامل خارجية، وهناك احتمالات أن يجمع بين الاثنين، فبعض الجينات الوراثية قد تنقل المرض، كما أن للبيئة وللضغوط النفسية، والتفكك الأسري، والمخدرات دورا قويا في تفشي المرض. جمعية مرض الفصام * بحكم عملك في هذا المجال، هل هناك استراتيجية موضوعة لخدمة هذه الفئة وكيفية التعامل معهم؟ - بفضل الله وحمده -، وبعد موافقة وزارة الشؤون الاجتماعية على إنشاء أول جمعية في الشرق الأوسط لذوي الفصام، وهي «الجمعية السعودية الخيرية لمرضى الفصام» عملنا إستراتيجية لمدة ثلاث سنوات، ومن ضمن أهدافها «التعريف بالمرض، ونشر الوعي الثقافي عنه، ودعم الأسر في كيفية التعامل مع المريض، والعمل على إيجاد مراكز متخصصة لمتابعة مرضى الفصام، ومساعدة مرضى الفصام في تحصيل حقوقهم الاعتبارية والمادية، وإنشاء مركز معلومات للدراسات والبحوث الخاصة بمرضى الفصام، كما عملنا اتفاقية مع المؤسسات ذات العلاقة، وقد تم التواصل مع مجلس الشورى لإيجاد نظام قانون يحمي المرضى النفسانيين، ويقدم الخدمات لهم، ونتمنى من الله أن يتكاتف المجتمع ويدعم الجمعية، حيث تشير الإحصائيات إلى وجود نسبة كبيرة منهم في المجتمع، وأن كل 100 شخص في المجتمع يوجد بينهم مريض بالانفصام، وهذا يشكل عددا كبيرا بالمجتمع، والمعروف أن أي انسان يمكن أن يصاب بهذا المرض النفسي الخطير، فلا مأمن منه فقد يصيب الشباب وهم مستقبل الوطن وعماده وكثير من الجرائم والانحرافات يكون السبب الرئيس فيها المشاكل النفسية للمريض، وقد يصيب كبير السن، كما أن الصغير عرضة لهذا المرض، فليس له سن معينة، فقد يحدث على شكل هجمة واحدة أو أكثر. الأشعة إحدى أهم الوسائل للكشف على المصاب بالانفصام الوقاية والتشخيص * هل يمكن تشخيص هذا المرض عند أناس أكثر من غيرهم؟ - التشخيص لمرض الفصام يعد من أهم ما يمكن عمله، فالتشخيص السليم يقود عادة إلى العلاج السليم، والأسرة لها دور أساسي في هذه القضية؛ فهي المحطة الأولى في اكتشاف المرض، وبعد ذلك يأتي دور طبيب الأسرة، أو الطبيب العام الذي يمكن أن يحيل الأمر إلى الطبيب النفسي المختص، ويمكن تشخيص هذا المرض عند أناس أكثر من غيرهم، وهذا يعتمد إلى حد كبير على المشخص ومدى إعداده لمهنته ومكان التشخيص وجاهزيته. مطالب مشروعة * هل هناك نصائح عامة لتجنب الأمراض النفسية بشكل عام والفصام بشكل خاص؟ - نعم هناك نصائح لتجنب الأمراض النفسية نتمنى من جميع أفراد المجتمع إدراكها، وهي أن هناك ضغوطا كبيرة تواجه المصاب واسرته والمحيطين به، فالأمراض النفسية بما فيها الفصام قد تستمر مع الفرد لسنوات طويلة، وعلينا جميعاً التصدي لهذه الأمراض بكل الوسائل الممكنة، والمطالبة بإنشاء المراكز العلمية المتخصصة من مستشفيات ومصحات نفسية، وكذلك نشر الوعي عن هذه الأمراض الخطيرة عبر وسائل الاعلام المختلفة، ويمكنني الإشارة في هذا الصدد إلى أن الضغوط النفسية لا بد من التعايش معها، خاصة في جميع مراحل حياة المريض، وعلينا نبذ التوبيخ واللوم، وعلينا كذلك تقبل المرض النفسي وغيره، والاستعداد لمعالجته فهذا العوامل قد تساعد المريض النفسي على تخطي المرض والقضاء عليه. الرقية ليست علاجاً للانفصام وإنما دعاء..و«الرقاة» ليسوا معصومين أو فوق النقد! الرقية الشرعية * هل الرقية علاج مناسب للفصام؟، وهل هناك تفهم من الرقاة لأعراض المرض، خاصة بأن مجتمعنا قد يذهب للراقي قبل الطبيب؟ - لاشك أن الرقاة بشر ويجوز عليهم الخطأ كما يجوز على غيرهم؛ فهم ليسوا معصومين من ذلك، والرقية ليست علاجاً، ولكنها دعاء من الإنسان إلى ربه؛ لأن الشافي هو الله سبحانه وتعالى، وهي معمول بها منذ أمد بعيد في كل الحضارات، وقد يرقي الإنسان نفسه، أو يرقي الآخرين، والله جلت قدرته يقول «وقل ادعوني أستجب لكم». الأعداد تتزايد * مرضى انفصام الشخصية يحتاجون إلى عناية خاصة في المستشفيات والمراكز الصحية، ما مدى جاهزية واهتمام هذه المرافق؟ - الفصام لازال في أمسّ الحاجة إلى مستشفيات ومراكز صحية مجهزة؛ فالمشكلة كبيرة، والعدد في نسبة المرضى الفصاميين تزداد بشكل كبير، وعشمنا كبير في حكومة ملك الإنسانية عبدالله بن عبدالعزيز في زيادة تلك المستشفيات والمراكز؛ لتغطي الحاجة الملحة لهذا المرض النفسي الخطير. الدعم الأسري * سمو الأميرة؛ العديد من الأسر لا تعرف كيف تتعامل مع أي فرد مصاب بهذا المرض؟، وكيف يمكن مساعدتها؟، وما هو دور الجهات المختصة حيال ذلك؟. - الأسرة هي اللبنة الأولى للتصدي لهذا المرض ومساعدة الأسرة يكمن في توفير جميع الخدمات والتسهيلات التي تحتاجها الأسرة؛ فهناك ضرورة ملحة إلى إيجاد عيادات إرشادية نفسية في المستشفيات والمراكز الصحية تهتم بهذا الجانب، ونتمنى من وزارة الصحة دعم هذا المجال، وفي الجانب التعليمي نرجو وزارة التربية والتعليم في توفير بيئة تربوية لهؤلاء المرضى في مستشفيات الصحة النفسية، أما الجانب الاجتماعي؛ فوزارة الشؤون الاجتماعية يمكن أن تقوم بدور ريادي في مساعدة الأسر ودعمها، وتلك الجهات يمكن أن تبني عقد شراكة بينها لتقديم أرقي الخدمات لتحقيق الطموحات. الوعي المجتمعي * كيف يمكن تجنب هذا المرض؟ - الوقاية خير من العلاج، ومن أجل تحقيق هذا الهدف النبيل يجب أن ننشر الوعي في المجتمع عن كيفية التعامل مع أبنائنا وحمايتهم من المسببات النفسية، وكذلك الكشف قبل الزواج، وأخذ الاحتياطات اللازمة قبل وقوع المرض كلما أمكن ذلك. المساندة الإعلانية * ما هي نصيحتك لأفراد المجتمع في التعامل مع مرضى الفصام؟ - الحوار البناء هو الذي يؤتي ثماره، والمجتمع السعودي مجتمع قيادي بحكم ثقله الثقافي والديني والاقتصادي، ونحن مطالبون بتقبل الأفراد من ذوي الفصام، وعدم عزلهم؛ فهم من المجتمع وإليه. والفصام من أصعب الإعاقات النفسية، ولذا نتمنى من وسائل الإعلام مساندة ودعم الجمعية السعودية الخيرية لمرضى الفصام لتحقق أهدافها التي أسست من أجلها؛ فهي لازالت في بداياتها الأولى، وتخطو بثبات نحو رؤيتها في «أن تكون جهة متخصصة ومتميزة لتقديم الدعم والمؤازرة لمرضى الفصام»، وتحقق رسالتها التي تعمل «على نشر المعرفة والتوعية بمرضى الفصام، من خلال التعريف بحجم المشكلة والتعاون مع الجهات ذات العلاقة في تحسين حياة ودمج هذه الفئة في المجتمع»، كما نوجه الدعوة لرجال الأعمال -عبر هذا المنبر الإعلامي المتميز- إلى تبني مشروعات تصب في هذا المجال فهو مجال بكر للأعمال الإنسانية.