مازلنا في أجواء المظاهرات الغاضبة المتولدة في بعض مناطق الشرق الاوسط ( نكتئب بصمت كلما تابعنا نشرة اخبار فضائية وكأننا نشاهد صورا من فيلم خيال علمي هادم بفعل الحروب والمعارك والفوضى ) نتساءل , هل الحالة الممتدة من تونس ومصر وليبيا وغيرها, رغم كل ما قيل عنها , باختلاف ظروفها ومبرراتها , أسيرة فيروس يتجول من مكان لآخر ؟ لماذا هذا التقليد في التظاهر ومضامين المطالبات وبنفس الزمن المتلاحق. رغم ان ظروف تلك المجتمعات ليست واحدة . هل المصدر الفكري وطرق تحريك المشاعر والعدوى الجماعية التي تمشي في خطا الاخر, تتوقع نفس السيناريو والمتغيرات ؟ غريبة هي الظاهرة في توالدها السريع تريد التغير والانقلاب الفوري حتى لو بدا تفاعل ايجابي من السلطة وبوادر حوار وتنفيذ بعض المطالب , فالاجابة هي الرفض القاطع ومطالبة بإسقاط كل شيء. ! ولا يهم كيف تبدو تفاصيل الحياة من بعدها ولا احد يدري ماذا سوف يحدث, فالمظاهرات تندلع كلما داهمهم فيروس الرفض . وكل اسبوع العالم على موعد مع كشتة سياسية شعبية لم يعجبها شيء ما وتريد تغييره ! هستيريا جماعية تبدأ جولة جديدة من الغضب مع العلم بأنه لم يتحقق أي قدر من الاستقرار والهدوء الحياتي او الانجازات حتى الان, لاي مجتمع ممن نشط في تلك المظاهرات وأسقط نظامه . يتكرر المشهد هذه المرة في بقعة اخرى فتنشط الفضائيات فورا وهم بالمناسبة يجب ان يكونوا في حالة امتنان لان هناك من يصنع لهم الاخبار العاجلة ,, وعلى مدار الساعة , بكل اللغات تنقل لنا الجديد , الذي هو ليس بالجديد في الواقع , فيتسلى العالم قليلا علي اوجاع الناس البسطاء ودموعهم وعدد ضحاياهم . تبدأ محاولات التدخل في شكل تعاطف دولي ومطالب مكررة , فيصيبنا العجب من حبكة السيناريو . كل هذه الهستيريا الجماعية صدفة وبفعل عدوى جماعية فقط ؟ هل سمعتم عن شابة مصرية اسمها سالي زهران ذات الرابعة والعشرين ربيعا ؟ إنها مثل حزين عن حالة الاحتقان النفسي والحماس الذي لا يتوقف جراء رغبتها المشاركة في التظاهر رغم إرهاقها فقد منعتها عاطفة أمها من الخروج من المنزل مرة ثانية بعد ان عادت ذات مساء وهي في حالة مزرية تشعر بالاختناق وشاحبة الوجه من تأثير القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه من احدى المظاهرات بالقاهرة, فما كان من الفتاة إلا ان ركضت باتجاه الشرفة مهددة بأنها ستنزل إلى الطريق من خلالها ان لم تدعها امها وتفتح لها الباب . الذي حدث انه اثناء مجادلتها اختل توازنها وسقطت من الشرفة حيث توفيت . وغيرها كثيرون مما يثير الأسى من كل هذه الخسائر البشرية وانتشار الفوضى ومشاهد رجال ونساء يركضون وهم يحملون الخبز وكأنه أغلى طعام في الوجود نراه يتكرر في التقارير الاخبارية , وهي ملاحظة تدل على مدى المعاناة التي يتحملها الناس في أي مجتمع يتعرض للفراغ تكون الفوضى فيلقون بسياج أمنهم وطمأنينة حياتهم طوعا قبل ان يعود وعي الجماهير إلي مستوي التوازن الطبيعي كي تأتي التغييرات والاصلاحات بشكل حضاري وايجابي لجميع الاطراف ولا فوضى تتنقل من مكان لاخر وتترك وراءها ساحات حرب ودمار . هذه حالة لا يفوز فيها أحد فالجميع يخسر عند فجوات التحكم وهستيريا المطالب .