راجت في أوساط العالم العربي ، والعالم الثالث عموما .. ومنذ بداية بزوغ القطب الأمريكي الأوحد .. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي العام 1991 م .. أن القوة العظمى أو شرطي العالم الوحيد تستطيع من الفضاء وبواسطة أجهزتها المخابراتية والتجسسية أن تتبين أحرف جريدة يقرأها سائح ما على سواحل الفلبين الشرقية ، وفزع إثر ذلك أولئك الذين يفضلون النوم صيفا مع عائلاتهم على أسطح المنازل إما بسبب الروماتيزم الذي خلفته أجهزة التكييف .. أو بسبب الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي .. خشية أن يتم ضبطهم (غير متلبسين) على أسطح منازلهم بواسطة تلك القوة المخيفة !! . وقد نشرت إحدى الصحف ذات يوم أن ثمة مساحة متروكة تحيط بالرئيس الأمريكي دائما .. أي رئيس .. وقالت إن تلك المساحة التي تبدو فارغة في الصور إنما هي مملوءة بالحرس الخفي الذين يبرمون حول أجسادهم حزما من الأسلاك الممغنطة التي تخفي شخوصهم عن الرؤية .. لكن كان الإشكال الوحيد أن الأماكن المشمسة هي وحدها من يفضحهم ! . غير أن جذوة محمد بوعزيزي ، وما نجم عنها ، وتعامل الشرطي الأعظم مع هذه الوقائع ، والذي بدا مربكا ومرتبكا ، وعلى جرعات ذليلة .. كشفت عن أن هذا الشرطي الكوكبي ربما لا يملك حاسة الإصغاء للغة الخبز الحاف، وعربات الخضار التي يجرها العرق . في الجانب الآخر .. بدت إسرائيل بكل أساطيرها المرعبة أعجز من أن تقرأ ما حدث .. حيث ظل إعلامها يردد نفس المخاوف التي يثيرها سواه دون أي مستوى واضح لقراءة ما يحدث ، وكأنها أُخذت على حين غرة ، وهي التي تدّعي دائما أنها تعرف ما لا يمكن معرفته من قبل أصحابه حتى قبل أن يصبح معروفا! . ماذا حدث ؟ .. هل كانت النار التي التهمت جسد محمد بوعزيزي في تونس ، وألهمت وائل غنيم في مصر وغيره من شباب ميدان التحرير وصولا إلى ليبيا واليمن والبحرين وعُمان .. خارج نطاق حسابات مراصد الشرطي الأعظم ، وأبناء العم سام ؟ هل كانت ناراً ميتافيزيقية بحيث لم تستطع هذه القوى المذهلة أن تشم رائحة احتراقها أو ترى لها دخانا ، بل لم تستطع الإحساس بدنو حرارتها من أجسادها، أم أنها نيران مختلفة .. نيران الأنفاس المحترقة بلقمة العيش والرغيف اليومي والتوق إلى الحرية ؟ أم أن لعبة الشطرنج التي فرضتها الولاياتالمتحدة وحولت المنطقة فيها إلى بيادق ومربعات منذ دخول الصومال والعراق وحكاية الفوضى الخلاقة قد بلغت غايتها فتسلل جمهور المشاهدين من الشباب من خلف عربات الخضار ، وممن لم يكونوا قط طيلة أمد هذه اللعبة سوى أرقام في تعداد الكتل السكانية .. ليقولوا لسيدة العالم : كش أمريكا على حين غرة ، وعلى غير ما تريد ؟ لا يزال ثمة متسع لقراءة هذا الواقع الذي كشف عن الكثير مما لم يكشف عنه ، لكن الأكثر من المؤكد سيكون بعد انطفاء هذه النيران !!.