قبل أسابيع أكدت جامعة الدول العربية، أن القمة العربية العادية المقبلة سُتعقد في العاصمة العراقية بغداد يومي 29 و30 من شهر مارس/ آذار الحالي، نافية إرجاءها بسبب الاضطرابات التي يشهدها العالم العربي وفق ما أعلنته ليبيا التي تتولى رئاسة الدورة الحالية. عمرو موسى قال بأن "أمانة الجامعة لم تتسلم أي طلب رسمي"، مشيرا إلى أن "هذا القرار يجب أن يتخذ بشكل جماعي من كافة الدول الأعضاء". وكان المتحدث الرسمي للحكومة العراقية أعلن أن الموقف العربي والظرف الحالي يستدعيان ضرورة عقد القمة العربية في موعدها ومكانها المحددين. طبعا قرار انعقاد القمة سيتضح خلال أيام في اجتماع لوزراء الخارجية العرب، وفي حال انعقادها ستكون القمة الثالثة التي يستضيفها العراق، بعد القمة العربية التاسعة عام 1978والتي تقرر خلالها رفض اتفاقية كامب ديفيد، وكذلك القمة العربية ال12 عام 1990. تُرى لو عقدت القمة في بغداد ,فهل ستستشعر الدول الأعضاء خطورة المرحلة الحرجة وضرورة تحقيق الآمال المعقودة عليها،أم أنها ستكون صورة كربونية مما سبقها من قمم وما ارتبطت به من إخفاقات وتراجعات لم تنسها الذاكرة بعد ؟ على أن البعض يرى أن عدم استتباب الأمن في بغداد واستمرار التواجد الأمريكي سببان لعدم الحضور والمشاركة . كما أن هناك أيضا من يتحفظ على المشاركة كون حضوره يعطي شرعية وغطاء لحكومة المالكي لاسيما بعد ما كشفته وثائق ويكيليكس من جرائم بحق الشعب العراقي. في حين يرى البعض الآخر أهمية المشاركة في القمة للوقوف مع العراق ودعمه ضد التدخلات الخارجية الإقليمية، وان الحضور هو تعزيز لعروبته ووحدته هذا من ناحية ، ومناقشة مقتضيات المرحلة بعد الأحداث والثورات الأخيرة وضرورة إيجاد آليات للتعاطي مع مطالب الشعوب من ناحية أخرى. لأنه من الواضح أننا نعيش الآن في المنطقة على خلفية أحداث ومتغيرات داخلية سيكون لها تداعيات على المشهد السياسي قُطريا وإقليميا ودوليا، وهي بالتأكيد، مليئة باستحقاقات لا تلبث أن تختلف أشكالها ومضامينها، عما واجهته دول المنطقة خلال مراحل سابقة. على أي حال ، تُرى لو عقدت القمة في بغداد ,فهل ستستشعر الدول الأعضاء خطورة المرحلة الحرجة وضرورة تحقيق الآمال المعقودة عليها،أم أنها ستكون صورة كربونية مما سبقها من قمم وما ارتبطت به من إخفاقات وتراجعات لم تنسها الذاكرة بعد ؟ وهل ستساهم في تفعيل مشاريع الإصلاح أملًا في الخروج من بيانات التنظير إلى معالجة أكثر موضوعية وأقرب إلى المنطق والممكن,أم أنها لم تعد قادرة على الانسلاخ من هكذا مناخ؟ على أن ثورات تونس ومصر وليبيا جاءت لتفتح ملفات ومطالب مشروعة، لا سيما في ظل غياب مقومات الاندماج الاجتماعي ، وعدم بناء دول تنموية يسودها الدستور والقانون والمواطنة . كانت تلك الانتفاضات الشعبية في تقديري جرس إنذار لمرحلة حساسة ترى بفشل مشروع دول ما بعد الاستعمار التي جاءت من خلال انقلابات عسكرية، ولتكشف هشاشة وضعف الدولة الوطنية الحديثة، لاسيما في تلك الدول التي سقطت أنظمتها. كانت الرسالة صريحة وواضحة في أن الجميع متفق على ضرورة التحول السلمي والتغيير الديمقراطي عبر وسائل وآليات من أجل تقويض عوامل التوتر وترسيخ الأمن والاستقرار من اجل مستقبل مشرق للأجيال القادمة. إن المتغيرات والتوجهات التي تحدث في عالمنا العربي، تكشف عن بنية النظام السياسي العربي، الذي ولّد الشروط الموضوعية للتجزئة والانفصال والتقسيم. فالمنطق يقول إنه في عصرنا الراهن وما لم تتغير العقلية السياسية العربية في تعاطيها مع ملفات الداخل، وتتيح للأطياف المتنوعة من أن تعبّر عن نفسها بإشراكها في الهمّ الوطني ، فإن عوامل الانقسام والفوضى الداخلية سوف تطفو على السطح وما من حيلة لتجاهلها حينئذ، وإن كانت لغة التضليل ستكون حاضرة باتهام الخارج ومشجب المؤامرة والتخوين كما شاهدنا في ثورتي مصر وليبيا. رب قائل يقول ، تُرى هل لو عقدت القمة في موعدها ,ولم تبادر القيادات العربية بخطوة ما باتجاه تفعيل مشاريع الإصلاح والإصغاء لمطالب شعوبها، فهل باستطاعتنا وقتها الحكم عليها بالفشل والانتكاسة ؟ قد لا نملك الإجابة القاطعة لهكذا تساؤل، وإن كانت المعطيات والقراءات تشير إلى أن الوقت لم يعد يرحم ، ولم يعد باستطاعة احد التنبؤ بما ستلده الأيام القادمة ما يجعل الخروج من مسلسل الإخفاقات والتراجعات في هذه القمة ضرورة وليس ترفا ، من اجل حماية الشعوب ومكتسباتها وامن واستقرار أوطانها. ولكي نمضي إلى المزيد من الشفافية، نرى أن التراكمات السلبية للقمم الفائتة وعدم خروجها بقرارات فاعلة تؤثر في يومه المُعاش، إجابة قاطعة وتفسير مقنع، لحالة الإحباط التي سادت في العقود الماضية . غير أن هناك من يرى أن التحديات الراهنة والأخطار المحدقة بالعالم العربي تتطلب جهدا كبيرا لمواجهتها، وهو ما وعد به بعض الزعماء العرب في مناسبات سابقة، اعترافاً منهم لما آل إليه الوضع الراهن، إلا أنهم لم يلتزموا بذلك ولم يبادروا للحل، فكانت النتيجة ثورات شعبية والمفارقة الغريبة أن مطالبها كانت محدودة في بدايتها ، إلا أن انفجارها بتلك الصورة رفع بالتالي سقفها لتصل لحد المطالبة برحيل النظام ذاته . ومع ذلك ومن باب الإنصاف ، نقول إن نجاح القمة أو أي قمة ، لا يرتبط بالضرورة بالدولة المضيفة أو أمانة الجامعة، إن أردنا الحقيقة بقدر ما أن المحصلة مرهونة برغبة وعزيمة الدول الأعضاء في الخروج بقرارات تتوازى وخطورة المرحلة الراهنة ودقتها، ولعل المناخ الشفافي في الطرح والحوار بين الأعضاء بأسلوب جاد يرتقي إلى حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وكشف الأوراق والإصغاء والحوار ضمن مساحة من الحياد والاحترام والأخلاق، هو الخطوة الأولى لنجاح أي عمل مشترك. ولعل الدور المناط بالدولة المضيفة هنا يتمثل في تهيئة الأجواء وإزالة العوائق التي سُتهيئ نجاح القمة حيث لم يعد سراً أن العالم العربي يتعرض لحالة غليان شعبي بسبب تفككٍ وتشظّ وتطرف ديني واهتزاز اقتصادي وعدم استقرار سياسي ، فضلاً عن مشكلات داخلية تكمن في البطالة والفساد والفقر والحروب الأهلية وانتشار الأمراض الفتاكة وبطء في التنمية وتخاذل في بناء الإنسان معرفياً وثقافياً. ولذا نحن في حاجة إلى روح جديدة وقراءة جديدة للواقع ، فالشعوب الآن تتوق إلى إصلاح داخلي (داخل دولها) وخارجي (إصلاح الجامعة العربية)، وهما في تقديري المنطلقان الأساسيان لبناء عالمنا العربي من جديد ما يسهل لنا الانخراط في منافسة العالم الجديد أو التواجد فيه على أقل تقدير.