إن كانت الانتفاضة الليبية تستلهم الثورتين التونسية والمصرية اللتين اطاحتا النظامين في الدولتين المجاورتين، فهي لها أيضاً بطلها وهو المحامي فتحي تربل الذي شكل اعتقاله شرارة أشعلت التحركات الشعبية. وبعد محمد البوعزيزي البائع الجوال الشاب الخريج الجامعي الذي أحرق نفسه نتيجة ضيق الظروف الاجتماعية والسياسية في تونس، ووائل غنيم الناشط على موقع «فيسبوك» الذي ندد باعمال التعذيب التي تمارسها الشرطة المصرية، يجسد فتحي تربل (39 عاماً) حركة الاحتجاج على الزعيم الليبي معمر القذافي القابض على رقاب العباد منذ 42 عاماً. ويؤكد هذا المحامي «أريد ان يجلب أمام القضاء في محاكمة عادلة». ويضيف الشاب خلال لقاء مع صحافيين، محاطا بمستشارين اكبر سنا منه والذي بدا توترا حيال الاهتمام الاعلامي المفاجئ له «امل من كل قلبي ان يتم اعتقال القذافي حيا، لكن ان لم يكن ذلك ممكنا...» وترك جملته عالقة ليشير بيده الى قطع عنقه، موحيا بمصير قد يواجهه القذافي في حال القبض عليه. وتعود نقطة التحول في حياة المحامي الى ملف تسلمه لدى قمع حركة تمرد في سجن بوسليم قرب طرابلس العام 1996، في أحداث ادت الى مقتل حوالي 1200 معتقل وفق منظمات حقوق الانسان، وبينهم أحد أشقائه وابن عمه وزوج شقيقته. ويروي «تمرد المعتقلون للمطالبة بشروط اعتقال افضل وبمحاكمة عادلة وبالحق في تلقي زيارات» مضيفا ان «هذا النظام القمعي والوحشي نفذ مجزرة بحقهم في ساعتين او ثلاث ساعات وحاول طمس هذه الجريمة». ومنذ ذلك الحين يتولى فتحي تربل الذي «اعتقل سبع مرات منها عندما كان طالبا» تمثيل مجموعة من عائلات بنغازي، ثاني مدن ليبيا في شرق البلاد، خسرت افرادا اثناء قمع التمرد، فخاض في هذا السياق معركة غير متكافئة مع جهاز الامن حتى اعتقاله الاخير. ويقول «في 15 شباط/فبراير جاء عشرون من عناصر قوات الامن مدججون بالسلاح الى منزلي لتوقيفي» مضيفا «انتشر الخبر بين عائلات الضحايا التي قررت التظاهر للمطالبة بالافراج عني». ويوضح «اقتادوني الى عبد الله السنوسي مسؤول الامن الشخصي لمعمر القذافي والذي كان في بنغازي». ويتابع «كان عصبيا جدا وسالني ما هو هدفنا. اجبته (الحقيقة حول ابو سليم وانزال العدالة)». وقال «ادركت ان ما يريده هو منع قيام التظاهرة» بعد ايام قليلة على اطاحة الرئيس المصري حسني مبارك تحت ضغط الشارع وقبله الرئيس التونسي زين العابدين بن علي. ويتابع فتحي تربل الذي اطلق سراحه فجر السادس عشر من شباط/فبراير «عرضت عليه ان يدعني اخرج لاتكلم مع المتظاهرين لكنه قال لي انهم ان ارادوا التظاهر، ففي وسع قوات الامن منعهم وانه لا يريد ان يجعل مني بطلا». ويضيف «تقابلنا مجددا في ذلك اليوم ورفض اقتراحي بترك التظاهرة تجري». ويشير الى ان الثورة التي انطلقت من بنغازي في 17 شباط/فبراير «انتشرت الى كل انحاء ليبيا» منذ ذلك الحين، من دون ان يتوقع لنفسه دورا بارزا في أي نظام جديد في ليبيا. ويؤكد «من الصعب ممارسة مهام عليا في هذا البلد ولا اعتقد ان لدي القدرة ولا الطموح لذلك».