الأمن الوطني هاجس كل دولة، وبدونه لا يمكن أن يحدث استقرار وتنمية شاملة، وما حدث في طول الوطن العربي من ثورات واضطرابات، جاء من تراكم مشاكل أهملتها الحكومات ولم تدرك أنها ستصبح وسيلة انفجار.. في البحرين شعب ديناميكي غير مدلل، حصل على تعليم يفوق معظم الدول العربية، وبواكير نظام سياسي واجتماعي كان نموذجاً سبق دولاً تأسست فيها الدساتير والحريات العامة واستقل فيها القضاء ، لكن حالات الاضطراب التي حدثت في الأيام الماضية لا تخص البحرين وحدها، إذ أدخلت الحكومة إصلاحات جيدة، لكن إذا كانت دوافع الفقر والبطالة وكبت الحريات عوامل تحريك ولجوء للبحث عن أي منقذ ديني وقبلي وطائفي وقومي، فإن البحرين التي تعيش قراها بحالة سيئة لا تعزى فقط للدولة القائمة، بل لدول مجلس التعاون الغنية التي لم تراع كيف تحل معضلة الفقر بمشروع لا يُراعي فقط الظرف الراهن، وإنما تداعيات المستقبل، إذ إن الأمن الخليجي لأي دولة سوف يكون مسؤولية دول المجلس جميعاً، حتى لا يحدث أي تدخل أجنبي أو إقليمي يستطيع أن ينجح في وجود ركائز له في أي بلد، ولم يعد في ظل ثورة المعلومات وانتشارها أن تظل الأمور مستمرة من دون تعديلات جذرية تنال كل أفراد الشعب.. فالوقت يتسارع وضرورة التسريع بمشروع بناء شامل للبحرين تساهم به كل دولة خليجية، لا يخضع لمبرر ما أياً كان تفسيره للحدث ورؤيته من زاوية ضيقة، فهناك احتياجات أساسية لقمع الاضطرابات بالإصلاحات السياسية والاجتماعية والمادية، إذ إن مظهر الأحياء التجارية النموذجية لا يحجب الخلفيات لمدن الصفيح التي تنعدم فيها البنية الأساسية، وبعيداً عن وجهات النظر فإن الدولة والمتظاهرين وتصعيد المطالب بما يخرج عن طبيعة الجذور التاريخية للأسرة الحاكمة قد يؤزم الأمور، إلا أن حواراً شفافاً بطرح أبعاد القضايا المختلفة، هو وسيلة الإنقاذ من جدلية صراعات أخرى قد تنشأ بدوافع الظروف القائمة.. وإذا كانت القضية وطنية بحرينية، فهذا صحيح، لكن لنقرأ ما هو خارج المظاهر القائمة، لنقرأ الدوافع والأسباب التي حركت الفئات الاجتماعية، سواء جاءت بخلفية اجتماعية طائفية، أو بغرض اختبار للقوة بين الدولة وإعادة استنساخ ما يجري على الساحة العربية برمتها ثم الخروج بنتائج لا وعود تنتهي مع الأزمة، ثم تتكرر في مناسبات أخرى، وقد شهدت البحرين حالات كثيرة، لكن لو فرط الأمن، فإن الجبهة الخليجية برمتها ستعاني من النتائج الصعبة، التي من أهمها تحقق المطامع الإيرانية التي سبق أن أعلن عنها أكثر من مسؤول بأن البحرين جزء منها.. مجلس التعاون عليه أن ينعقد بقادته ووزرائه، ليعالج أمور البحرين بما يتفق والمسؤولية الأخوية والمعنوية، كي لا نترك الرياح تجرف عضواً مهماً في المجلس.