ثورة اللوتس نجحت، ووضعت أساس الجمهورية الثانية، لكن ما يقلقني أن هذه الثورة لن تؤسس - كما يعتقد مفجروها - للديمقراطية والحرية والليبرالية والعدل والمساواة في وقت قريب، وفي ظل صراع متوقع بين الأحزاب المصرية المتمرسة والجيش وملايين من الشعب لا يهمهم إلاّ لقمة العيش والأمن شهدتُ الأسبوع الأول من ثورة اللوتس (زهرة بيضاء اللون) التي انفجرت يوم 25/ يناير/2011م بشكل مفاجئ في ميدان التحرير بالقاهرة، نتيجة لتطبيقات إلكترونية حديثة استعملها الشباب والشابات بصورة فائقة. ورأيتها فرصة سانحة لأرى على أرض الواقع ما كنت قرأته في مصادر عربية وأجنبية عن توقع انفجار غضب شعبي يطيح برئيس الجمهورية وحكومته. لقد تابعت كتابات وتقارير عربية وغربية أن مصر تشهد سكوناً رتيباً وسلبياً ينذر بعاصفة هوجاء. وكنت أتابع ما يكتبه الدكتور جلال ابن الأديب أحمد أمين، والدكتور جلال أستاذ الاقتصاد في الجامعة المصرية. وهو ألف عدداً من الكتب عن مصر والمصريين. وهو ذكر في كتابه الأخير الموسوم: (مصر والمصريين في عهد مبارك) مآلات الدولة في عهد مبارك الذي امتد ثلاثة عقود صعبة. وهو قال إن الوضع في مصر مثال حي لنظرية: الدولة الرخوة. والدولة الرخوة تقود نفسها إلى السقوط الشامل. الدولة الرخوة فكرة قال بها المفكر السويدي جنار ميردال، ويقصد بها أن الدولة تتخلى عن كل وظائفها أو معظمها وتكتفي بوظيفة الأمن المسمى في مصر بالأمن المركزي الذي له وظيفة واحدة وهي حفظ أمن الرئيس والرئاسة. وهو يقول إن الرخاوة تشجع على الفساد، وانتشار الفساد يزيد الدولة رخاوة. وهذا الثنائي ينتج الفقر وتصدع الأخلاق مما يساعد على انتشار الرشوة وعدم تطبيق القوانين وجمع المال العام بطرق غير شرعية. وكنتُ قرأت ما يشبه هذا في مجلة Wilson Quarterly في عدد شتاء 2010م وورد في هذا التقرير ما يشبه جرس الإنذار وفحواه أن مصر لن تسترد عافيتها، ولن تصلح من شأنها. وقال كاتب التقرير إن مصر لن تبقى (أم الدنيا) وهو يقول إن الوضع السياسي في مصر متأزم بصرف النظر عن النجاحات الاقتصادية هنا وهناك، ذلك أن القاعدة الاقتصادية ستنهار مع أول شرارة يشعلها فئة الشباب الفقير من العاطلين عن العمل ذوي الشهادات الجامعية. لقد وصلت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية حداً لا يمكن معالجتها. ووصل الكاتب إلى أن ثورة قادمة لا محالة. ومع هذا لم يلتفت أهل الشأن في مصر لمثل هذا التقرير وغيره من التقارير، بل ونصائح عربية ودولية قيل إنها أسديت للرئاسة المصرية. ومع ثورة اللوتس يمكن القول إن مصر تشهد قيام الجمهورية الثانية. نعم لا يمكن العودة إلى جمهورية ما قبل 25/ يناير. كانت الجمهورية الأولى وهي عسكرية قد أُعلنت يوم 18/ يونية /1953م وذلك بعد نجاح حركة الضباط الأحرار في منتصف ليلة 23 / يوليو/1952م. نحن نشهد جمهورية ثانية ستلغي حكم العسكر. قد تحدث اشتباكات بين الثوار والجيش الذي أخذ على عاتقه حكم البلاد. وقيادة الجيش تعهدت بانتقال سلمي نحو سلطة مدنية منتخبة وديمقراطية. لكن لا أحد يستطيع التنبؤ بصدق هذا التعهد، ذلك أن ضباط الجيش يسيطرون على مفاصل الدولة المدنية، ومن الصعب تخليهم بسهولة عن امتيازاتهم التي مُنحت لهم بسخاء خلال عهود الرؤساء: عبدالناصر والسادات ومبارك. وأمر آخر قد يؤجل نقل السلطة وهو اتساع الخلاف بين الثوار والجيش، وهذا متوقع بل بوادره واضحة وجلية. ولا أعدم قيام عصيان مدني في وجه الجيش، خصوصاً بعد انهيار مؤسسات الدولة نتيجة فشل الحكومة المؤقتة واستقالات بعض وزراء السيادة. ولا تُشكل مسألة سقوط الرئيس مبارك مشكلة أمام المتابعين العرب وغير العرب، المشكلة هي مرحلة ما بعد مبارك على المستويين المحلي والإقليمي. قال لي الدكتور حمدي أبو العينين إنه قلق جداً، وهو قال إن مستقبل مصر لن يكون سهلاً. وهو تنبأ بأن المشكلة ستطول، وستشهد تدخلات إقليمية لديها أجندات خاصة. وقد رأيت بعض الشباب الذين اجتمعوا في ميدان التحرير. وقال احدهم إنه سيجعل ميدان التحرير لاعباً رئيساً في مستقبل مصر. وهذا قول خطير ينم عن جهل وتخبط.ثورة اللوتس نجحت، ووضعت أساس الجمهورية الثانية، لكن ما يقلقني أن هذه الثورة لن تؤسس - كما يعتقد مفجروها - للديمقراطية والحرية والليبرالية والعدل والمساواة في وقت قريب، وفي ظل صراع متوقع بين الأحزاب المصرية المتمرسة والجيش وملايين من الشعب لا يهمهم إلاّ لقمة العيش والأمن، يُضاف إليهم قوى إقليمية ودولية يسعون كما في العراق ولبنان إلى جزء من الكعكة. وأتوقع أن تكون صبغة الحكومة الجديدة في حالة قيامها ضمن اليسار الوسط. وأتوقع أن الحكومة الجديدة ستحافظ على الاتفاقيات الدولية ما عدا اتفاقيات سببت دماراً للسياسة المصرية مثل اتفاقية الغاز مع إسرائيل. وأتوقع أن مصر ستعود لمحيطها العربي أكثر ايجابية من حكومة مبارك. وسأبقي بعض توقعاتي لحديث قادم..