تنشأ بعض السلوكيات والممارسات عند الفرد من خلال عوامل متعددة تتكرس داخل حياته، وتؤثر في نهجه السلوكي، وتحديد نوع وأنماط علاقاته وصداقاته، وتحدد البيئة الإجتماعية، والثقافة الأسرية، وفضاء المجتمع بعاداته وتقاليده، ومحاذيره، وتوجساته؛ نمط علاقة الفرد مع الآخرين، وانجذابه في ممارساته، وبوحه، وعاطفته إلى من يأمن لهم، ويرى فيهم مستودعاً لأسراره، وإشباعا لغريزة التكامل والتوحد مع ذات أخرى تنصهر في داخلها، وتبحث من خلالها إلى إيجاد مناخ آمن قد يكون مفقوداً في المحيط الأسري، أو الاجتماعي، أو تكريس شعور بوجود الاهتمام والتلاحم النفسي والحياتي من شخص آخر يملأ الحياة، ويجعلها معقولة مبتعدة عن الشعور بالإحباط والهزيمة. من هنا نجد أن بعض الفتيات يبحثن عن رفيقة عمر ودرب وحياة، من خلال صداقة تتجاوز أحياناً في نمطها إلى أساليب الإعجاب، وهذا نتيجة حتمية لبحث الكائن البشري عن ملاذ يتجانس معه في العمر والمفاهيم والثقافة والبيئة والاهتمامات، وهنا فإن أي تفسيرات للعلاقة خارج هذا المفهوم تدخل في دائرة «سوء الظن» وإن بعض الظن إثم. علماء النفس والاجتماع يعتبرون الإعجاب حرمان عاطفي إذا تطور وتجاوز مفاهيمه، ونتج عنه بعض السلوكيات الخاطئة، فالبعض من الفتيات يعتدل سلوكها عند إدراكها بأن ماتفعله سلوك خاطئ وغيرمرض، والأخريات يخفينه إما لخجلهن أو لخوفهن من المجتمع؛ فيكون بداخلهن صراع بين الذات والقيم. «الرياض» كان لها الدور في الالتقاء ببعض المرشدات والأخصائيات في عدد من الجامعات واللاتي أكدن على وجود تلك الظاهرة وعدم تلاشيها؛ بالرغم من البرامج المكثفة التي تنفذ لهؤلاء الطالبات. فهم المشكلة وأكدت بيانات أعدتها "د.هند الخليفة "و"مها العيدان" بكلية الآداب بجامعة الملك سعود انتشار ظاهرة الإعجاب بين الطالبات الجامعيات، ولم تظهر أي دراسة تنفي وجود تلك الظاهرة، كما أن لمسؤولات الأمن والمشرفات تأكيد تام على تلك الظاهرة، ولكن وجود ظاهرة الإعجاب لا يعني تفسيرها وربطها بسلوكيات خاطئة غالباً، وهو ما نسعى في هذا التحقيق إلى تصويب ممارسات الفهم والوعي به. مظاهر الإعجاب وصفت مشرفات الأمن في إحدى الجامعات بعض مظاهر الإعجاب بين الفتيات؛ ممثلة في نظرات الغزل بالعيون، والرسائل الغرامية، وتبادل الهدايا، وطريقة الكلام، وتشابك الأيدي، ووصلت إلى "حرق الأيدي بالأسماء"، وكتابة بعض العبارات والرسومات والوشم على أماكن الجسم. تحولت من «أحبك» و«امشي معي» و«رسائل الغرام» إلى رسم الأسماء على الأيدي.. و«الوشم» أسباب الظاهرة وأرجعت "د.هند" أسباب الظاهرة إلى ان ضعف دور الأسرة، وعدم حصول الفتاة على الإشباع العاطفي الأسري، كذلك وسائل الإعلام، والفراغ، وعدم وجود رقابة كافية سواء داخل الأسرة أو في مجتمع الجامعة، إضافة إلى التقليد، وأصدقاء السوء، والمفهوم الخاطئ للصداقة، والمشكلات الأسرية مثل العنف، وأساليب التنشئة الاجتماعية التي تؤدي إلى ضعف الثقة بالنفس لدى الفتاة. تغيير السلوك وأكدت الأستاذة "فاتن الرويجح" -مرشدة اجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- على أهمية دور الأخصائية الاجتماعية، موضحة أنها تقوم بدور أساسي وهام إزاء تلك المشكلة، وهي الجلسات النفسية والاجتماعية التي تنفذ، والمحاورة بين الطالبات بأسلوب اللين، إلى جانب تقديم البرامج الإرشادية والدينية ومشاركتهن في الأنشطة الطلابية، وشرح خطورة هذه الظاهرة فيما بينهن. وقالت:"إن الكثير من الطالبات يتقبلن البرامج المنفذة لتغيير سلوكياتهن، وبرهنت على ذلك بسرعة زوالها عند البعض"، مشيرة إلى أن هذه الظاهرة ليست مقتصرة على فئة عمريه أو مستوى معيشي واحد، بل في كافة المستويات، ولا يعد انحرافا سلوكيا بقدر ماهو تقليد. الإرشاد النفسي واعتبرت "ناهد الريسي" -المشرفة الاجتماعية والمرشدة النفسية بجامعة الإمام بن سعود الإسلامية- ظاهرة الإعجاب غير مستفحلة في المجتمع، وتنحصر في فئة ضئيلة بين الطالبات، وأرجعت أسباب انتشارها وأساسها للأسرة، لعدم تفهمهم للفتاة وطبيعتها والمشاكل التي تطرأ عليها، إضافة إلى تقدم العصر ووجود الإعلام المفتوح في الفضائيات غير الهادفة، وإثارة الغرائز بشكل مباشر، كانتشار مشكلة الفتيات(البويات) في السنوات الأخيرة في المراحل الثانوية والجامعية. وطالبت المرشدة النفسية في الجهات التعليمية بإعطاء الطالبات الفرصة للتعبير عن مشاعرهن وأفكارهن، ومحاولة دمج تلك المجموعات بشريحة هادفة وجادة، مؤكدة على ضرورة احتواء الفتيات اللاتي لديهن مثل هذه المشكلات، ومتابعتهن المستمرة داخل الجامعة، والتواصل مع الأسرة وتوعيتها بالجوانب السلبية لمثل تلك العلاقات، إضافة إلى تقوية العلاقة الروحانية بالله عز وجل، كما أوصت كل جهة مختصة، وأخصائية اجتماعية ونفسية، ومرشدة طلابية بالصبر وتحمل مثل هذه المشكلات وحلها بالطريق السليمة، وبأسلوب الترغيب واللين حتى نتمكن من القضاء عليها. إدمان وعدم اتزان! وترى "د.أسماء بنت عبدالعزيز الحسين"، -أستاذ الصحة النفسية المساعد بجامعة الأميرة نوره بنت عبدالرحمن، والباحثة النفسية والتربوية- أن الإعجاب قد يصل إلى حالة إدمان لا تستطيع الفتاة الاستغناء عنه، مشيرة إلى أنها حالة غير متزنة، وظاهرة متوقعة من الحرمان العاطفي، مؤكدة على وجود عوامل نفسية منها رهافة حس الفتاة، إلى جانب البحث عن كل ماهو مثير لتعبيرها عن نقص شيء بداخلها، كما أن حب الفتاة للمغامرات يجعلها تقوم بالتقليد والمحاكاة، معتبرة ذلك "حيلا نفسية" وتعبيرا في رسم الواقع، حيث إن لفت الانتباه شيء رئيسي في ذلك. دور الأسرة وقالت إن الوضع الأسري له دور كبير في وصول بعض الفتيات إلى هذه الحالة، ومن ذلك: ضعف أساليب الأسرية بكلمات الحب والحنان إما بخجل أوتكبر، أوالانشغال الذي يشكّل دوره البالغ في انحراف السلوك لدى الفتاة. واضافت:"أن المعاملة القاسية تجعل الفتاة تبحث عن بديل خارج الأسرة، أو تبحث عن شخصية قوية تحكمها لضعف شخصيتها، كما أن رفض الفتاة للدور الأنثوي؛ بسبب ظروف المعاملة الأخوية القاسية ووجود الفتاة بين مجموعه من الذكور تحاول تقمص شخصيتهم، وتحاول تحويل شخصيتها، وتجعل من حولها يعجب بها"، مشددة على أهمية اكتشاف الانحراف مبكراً حتى يمكن إشباعه، موضحة ان لكل مرحلة عمرية احتياجات لابد من إشباعها حتى لا تؤثر على المرحلة التي تليها. التعلق السلبي! وتحدثت "د.أسماء" عن أضرار التعلق السلبي، ومنها: تصغير النفس وتحقيرها كالإيذاء والإهانة أو المرض، إلى جانب التأخر في الدراسة، وانشغال الذهن والتفكير، إضافة إلى الأمراض النفسية الجسمية والأرق، والعلاقات السيئة مع الآخرين، وضعف الوازع الديني، والتأثير على المعتقد والتقصير في العبادات. رفض تام! وأوضحت"مها العيدان" من خلال إحدى الدراسات التي أجرتها بان انتشار الظاهرة استند إلى المظهر غيرالمألوف أكثرمن السلوك، إلى جانب رفض الكثير من الطالبات لمثل هذه الظاهرة لما لها من سلوك ومظهر غير مألوف ومخالف للدين والفطرة والعادات والتقاليد. مقترحات وحلول وقالت إن هناك أساليب للعلاج التي لا تضر بالطالبات، ومنها: إقامة الندوات الإرشادية، والنصح المباشر، والتوعية الدينية والأخلاقية، إضافة إلى التواصل والحوار وفهم الاحتياجات النفسية، وتوظيف القدرات، والتواصل مع الأسر لمناقشة وفهم المشكلة، كذلك فتح عيادات نفسية بالجامعة تقدم العلاج والإرشاد النفسي، وتفعيل دورالأخصائية الاجتماعية، إضافة إلى تفعيل دور الأسرة في التنشئة الاجتماعية، والعمل على تعزيز الانضباط الذاتي بين الطالبات. ودعت "د.هند" إلى ضرورة مراجعة الأنظمة والقوانين الخاصة بسلوك الطالبات بالجامعات ونظام العقوبات، كذلك التعرف على الأنظمة والقوانين والتعريف بها بالوسائل المختلفة، إلى جانب أهمية تفعيل نظام الخط الساخن للتبليغ عن المخالفات والمشكلات والتدخل الفوري، مشددة على أهمية تخصيص أنشطة وفعاليات مختلفة لشغل أوقات الفراغ لدى الطالبات، إضافة إلى تطوير مهارات موظفات الإدارات المشرفة على شؤون الطالبات، من خلال التدريب المستمر وتوفيرالأجهزة والأدوات اللازمة.