هل يصح أن نتحدث عن بداية جديدة كلما تغير أمر في حياتنا ؟ ألسنا نبني دوما على ما فات ونرفع قواعد ما كان موجودا بالفعل .. من أين إذن تأتي البدايات الجديدة ؟ في مصر يتحدثون عن بداية جديدة لعصر جديد يتنفس حرية وديمقراطية ويعلي من قيمة الانسان ويصون كرامته فهل هذه بداية ام انها استنهاض لما كان يجب أن يكون ، لذلك المدفون دون أن يموت في الضمائر والوجدان ، استدعاء جريء لقيم وافكار لفرط قدمها ولفرط ما جفت على شفاه المطالبين اصبحت من المستحيلات ورديفة للامنيات التي ننام عليها لكننا لا نصحو ابدا بها .. لماذا تبدو كلمة بداية جديدة كأنها لغز يحيرك طعمه فهو حلو شديد الحلاوة مر شديد المرارة تحبه وتتمناه لكن تخافه .. تدعو له لكنك ترقب الباب المؤدي له بكثير من الحذر واستشعار الخطر ويصور لك عقلك المدجن أن الباب غير موجود وأن ما تراه ليس الا تهويمات قد يؤدي الاستغراق فيها الى الانفصال عن اليوميات وعدم التكيف ، أي ببساطة الخرف وخطر الانزلاق نحو الجنون .. بداية جديدة لا تكون الا عند الميلاد .. أليس كذلك .. المولود الذي يخرج للنور يمكننا أن نسمي لحظاته الاولى في الحياة بداية جديدة ، لكن بعد ساعة من ولادته وحين يبدأ في استكشاف الدنيا من حوله وتتعثر على شفتيه كلماته الاولى لا تكون بداية بل تكون استمرارا ، تطورا ، نموا ، أي شيء الا ان يكون بداية جديدة .. لا يمكننا أن نفصل بين ماض قريب أو بعيد، وبين حاضر نعيشه ومستقبل نحلم به .. كله مبني بشكل تراكمي بل إنه اكثر من ذلك مترابط بشكل أو بآخر بالمحيط الاكبر ، لا استقلالية مطلقة ولا توجد بدايات مطلقة ولأننا لا يمكن ان نعود بعقارب الزمن الى لحظة الميلاد الاولى فاننا لا نملك الحق بأن نتحدث عن بداية جديدة .. ومع ذلك فإن البداية الجديدة تظل أملا وحلما يصحو ويغفو في كل نفس.. كل شخص يتمنى لو صنع لنفسه بداية جديدة .. البعض يترجمها بكلمة لو عاد الزمن بي لكنت فعلت كذا ولم افعل كذا والبعض يترجمها بكلمة لو أملك لفعلت و ولو استطيع لانجزت والبعض يغامر فيفعل ويتحرك ويحاول وقد ينجح .. لكن يبقى من خلفه في قعر بئر الامنيات يراقبون الخارج من فوهته ويتساءلون لمَ لم يعد وهل وجد بدايته الجديدة ام التهمته السباع؟! القابعون في بئر الامنيات لا يعرفون ماذا فعل الغائبون .. يعرفون فقط ماذا حدث للذين فشلوا لانهم يسقطون بينهم مجددا بخوف اكبر وتردد اعظم .. الذين أمسكوا ببداياتهم الجديدة – ان صح التعبير – عليهم الا يفرّطوا فيها ، عليهم أن يمتلئوا أملا وعليهم بصدق الا يسمعوا لمن يناديهم للعودة الى قعر البئر مجددا فهي إن لم تكن بداية جديدة ستكون تجربة مغايرة..