كشفت الأحداث الأخيرة في عالمنا العربي عن واقع إعلامي جديد، فالممارسة الإعلامية الإخبارية في عالمنا العربي أوضحت الضعف المهني في الكثير من القنوات الإخبارية الموجهة للجمهور العربي. فقناة الجزيرة الإخبارية مثلا تحولت من شعارها للرأي والرأي الآخر إلى قناة للرأي الواحد فقط ,وقناة العربية بالرغم من تمسكها بمعايير مهنية من حيث التوازن في الطرح إلا أنها لم تتمكن من تحقيق شعارها في "أن تعرف أكثر". وسقوط القنوات الإخبارية المصرية يؤذن بميلاد جديد لقنوات تملأ هذا الفراغ المهني في الإعلام المصري المستقبلي . كما سعت قنوات إخبارية أخرى في لبس عباءة قنوات مماثلة للقناتين الإخباريتين السابقتين مثل "الحرة" و بي بي سي البريطانية وفرنسا 24 وروسيا اليوم, كما أن هناك غيابا واضحا لكثير من القنوات المحسوبة على العمل الإخباري عن ساحة المتلقي العربي في تلك الفترة الحرجة . ولو تأملنا المشهد الإعلامي العربي أثناء تلك الأحداث لوجدنا أن هناك خارطة إعلامية تكشف عن مصالح وراء تلك القنوات أكثر من وجودها لمزاولة مهنيةٍ للإعلام الإخباري الذي يحترم الجمهور المتلقي. ففي هذه الخارطة الإعلامية لا زالت تلك الوسائل تتعامل مع الجمهور من زاوية المرسل القائم بالاتصال دون أي اعتبار لطبيعة التعدد في مواقف الجمهور المتلقي أو الأخذ بعين الاعتبار التمرس الذاتي لدى هذا الجمهور من الجيل الرقمي الجديد. أعتقد أننا سندفع الثمن غاليا في عالمنا العربي لعدم الاستثمار المبكر في قطاع التربية الإعلامية وخلق جيل واع يعرف أن يقرأ الوسيلة كما يعرف أن يقرأ ما تبثه بعين نقدية فاحصة. فالجيل الجديد أصبح بفعل التقنية الحديثة جيلا رقميا ممارسا لسلطة إعلامية في ظل غيابٍ للضوابط المهنية للاتصال الجمعي أو الجماهيري. ولذلك تنبهت الكثير من الدول الغربية لهذا الموضوع مبكرا فأدخلت برامج التربية الإعلامية في صفوف الدراسة الأولية ,فطالب المدرسة في بعض الدول أصبح يعرف عن القنوات ومن يقف وراءها ومن يقوم باختيار القصص الإخبارية فيها ودرجة التوازن في الطرح المعلوماتي . ونظراً لوجود التعدد العرقي والديني والحزبي والمؤسسي وغيره من ألوان الطيف التعددي فإنها جعلت من هذا الإعلام يقف أمام مسؤولياته المهنية. كما سعت الجماعات في تلك الدول إلى تأسيس منظمات مجتمع مدني تتابع وتحاسب أو على اقل تقدير تعرّي زيف الطرح الإعلامي لأي وسيلة تستهزئ بالجمهور أو بالحقيقة، أو الإخلال بالتوازن في الطرح. ففي الولاياتالمتحدة مثلا هناك جماعات تلاحق الإعلام الأمريكي وأسست موقعا لتعرية الأخبار التي تهم الأمريكيين وكشفت زيف الطرح لبعض القنوات وعلى رأسها قناة فوكس الإخبارية. وفي كندا هناك جماعات تتابع الإعلام الرقمي في عمل متوازن بين التربوي، وبين المهني . ففي الشق التربوي تعمل على تهيئة جيل جديد لعالم رقمي، وعلى المستوى المهني ترسم خارطة التوظيف لتقنية الإعلام الرقمي ومستقبله، وسيعقد في 25 من شهر فبراير الحالي في أوتاوا يوم مفتوح لمناقشة مستقبل الإعلام الرقمي في كندا. أما في عالمنا العربي فرغم أن الأحداث الأخيرة كشفت عن جيل رقمي عربي , إلا انه جيل يتزايد في ظل غياب مؤسسي أو تربوي يساند هذا النمو ويعزز نظرته النقدية والوطنية للمعلومات . كما كشفت عن ضعف مهني إعلامي وتحديدا في المجال الإخباري استفادت منه القنوات التعبوية بنظرتها الأحادية القاصرة. ولذا فالسؤال الآن وبعد هدوء العاصفة في مصر هو أي مستقبل ينتظر عالمنا العربي في ظل إعلام رقمي في فضاء تغيب عنه نظم المسؤولية والمساءلة, وفي ظل إعلام تقليدي يفتقد المهنية الجاذبة للجمهور ويحظى باحترامه؟ إن كان الجمهور مهماً لوسائل إعلامنا فلنبادر بالاستثمار مبكرا في تعليم جيل المستقبل ثقافة الإعلام الجديد، وأسس القراءة النقدية للوسيلة بدلا من تركه نهباً لوسائل إعلامية تعبوية قاصرة أو مهنية ضعيفة .