راتب نهاية الخدمة يحرج الموظف أمام أبنائه ولا يُلبي أدنى احتياجاته الأسرية يتسلل العم "محمد حسن" إلى بيته خلسة ليلاً، حتى لا تراه ابنته الصغرى "نوف" الطالبة في المرحلة الابتدائية، والتي قد كانت طلبته صباح اليوم الماضي علبه ألوان مائية، فيما لا يستطيع شراءها في هذا الشهر، لوجود عدد من الالتزامات المالية المهمة في حياة أسرته، أولها إيجار المنزل، وليس آخرها فاتورة الكهرباء التي تتضاعف دائماً، إلى جانب الارتفاع المبالغ فيه للمواد الغذائية الأساسية، حيث لا يتجاوز راتبه التقاعدي (2000) ريال، نظير خدمة استمرت قرابة الأربعين عاماً في إحدى الوزارات. لم يكن يعلم العم "محمد" في نفس الوقت أنه بتقاعده سينضم هو وزوجته وأولاده إلى طابور حوالي (1.5) مليون متقاعد ومتقاعدة، يتلقون ما يطلق عليه مجازاً راتباً تقاعدياً من المؤسسة العامة للتقاعد. وعبر "الرياض" يتساءل من أفنى عمره في خدمة الوطن عسكرياً كان أم مدنياً، هل سيُحكم عليهم بمعاناة مستديمة في السكن والعلاج والتعليم إلى جانب غلاء المعيشة والتأمين والرسوم؟، وهل سيسمح لهم بإدخال مصطلح الحياة الكريمة قبل مماتهم في قاموس أبنائهم؟. بداح القحطاني بقايا السندوتشات في قصة ليست بعيدة أحداثها عن ما يعانيه أبناء المتقاعدين من احراجات، لاحظ أحد المعلمين في إحدى الثانويات بالخبر طالباً دائماً ما يتأخر في الدخول إلى الحصة الرابعة بعد الفسحة، وعند السؤال عن تأخره تردد في الإجابة، ليتابع المعلم الطالب دون أن يراه، فلاحظ أنه يجمع بقايا "السندوتشات" المرمية ليسد بها رمق جوعه دون أن يراه أحد، فيما طالب آخر في مدرسة أخرى لا يملك سوى ثوب واحد للصيف والشتاء عرفه زملاءه في الفصل ببقعة الحبر الظاهرة على جيبه، وهو يحاول إخفاءها دائما بغترته المتهالكة على بدنه النحيل. حزمة أوراق ومتقاعد آخر لم يجد حلا لسداد إيجار المنزل وفاتورة الكهرباء، سواء بإحضار عائلته إلى جمعية المتقاعدين، مطالباً الجمعية بمساعدته في سداد ديونه، قبل أن يُطرد، مهدداً الموجودين بأنهم اذا لم يتساعدوا معه، فإنه سيترك عائلته لديهم، فيما آخر دخل إلى إحدى فروع جمعيات المتقاعدين في المملكة ممسكاً بحزمة أوراق طالباً مساعدتهم في سدادها، هذه قصص واقعية لأُناس يعيشون بيننا بالجحود نظير خدمتهم التي تجاوزت الخمسين عاماً. سعيد الغامدي مشكلات مالية في دراسة بمجلس الشورى في وقت سابق كشفت أن أكثر من (50%) من المتقاعدين يعانون من مشكلات مالية، بسبب الفرق الشاسع قبل وبعد التقاعد، وذكرت الدراسة أن (63%) من المتقاعدين لا يملكون مساكن، بسبب ارتفاع معدلات التضخم والمتغيرات الاقتصادية التي يعيشها المتقاعد، وتشير نفس الدراسة إلى أن أكثر من (70%) من المتقاعدين يبحثون عن عمل، بينما (40%) منهم دافعهم للعمل تحسين أوضاعهم المعيشية، وأشارت الدراسة إلى أن وفاة المتقاعد تضاعف الصعوبة المالية للأسرة، حيث ينخفض الراتب التقاعدي بشكل ملحوظ، ويزداد انخفاضاً عند بلوغ الأبناء سن 12 أو زواج البنات أو عمل الزوجة. «الظروف الصعبة» فرضت على الغالبية البحث عن عمل آخر لتحسين أوضاعهم المادية علاج مجاني وطالب "بداح القحطاني" -عضو مجلس إدارة الجمعية الوطنية للمتقاعدين وعضو الجمعية بالدمام-، بتطبيق أهم أهداف جمعية المتقاعدين والمنصوص عليها خدمة المتقاعدين صحياً ومادياً واجتماعياً وثقافياً وترفيهياً، بالإضافة إلى العلاج المجاني للمتقاعد وأسرته، بالتعاون بين المؤسسة العامة للتقاعد والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، ورفع الحد الأدنى لراتب المتقاعد والمتقاعدة إلى 3000 ريال؛ لمجابهة المعيشة الصعبة، بدلاً من الحد الأدنى الموجود حاليا وهو 1725 ريال، وقال: المعاش التقاعدي ليس منة أو هبة، بل حق مشروع للمواطن لقاء اقتطاع جزء من راتبه طوال فترة عمله لعشرات السنين في خدمة وطنه، مطالباً أيضاً بإعفاء جميع المتقاعدين والمتقاعدات من الرسوم التي تستوفيها الدولة من المواطنين، مثل التأشيرات والإقامة ورسوم الجوازات والرخص وغيرها، وتخفيض لا يقل عن (50%) في وسائل النقل الطيران والقطار والنقل الجماعي. القحطاني: 1725 ريالاً لا تكفي لمن خدم وطنه على مدى ثلاثين عاماً القوائم الموجودة وتذمر "القحطاني" من أن التأمينات الاجتماعية ومؤسسة التقاعد لا تفصح عن القوائم الموجود لديها عن عدد المتقاعدين في المناطق، مما يحدنا من الوصول إليهم وشرح أهداف جمعيات المتقاعدين، حتى يتسنى لهم الاستفادة من الجمعية، وأن يزداد عدد المتقاعدين المنتسبين للجمعيات، حيث إنه في المنطقة الشرقية لا يتجاوز ال(3000) منتسب من الرجال والنساء منهم (350) سيدة رغم العمل الذي نقوم به. تقليل الفترة وطالبت عدد من المتقاعدات بتقليل فترة التقاعد التي تستحق عندها المرأة راتباً كاملاً، بحيث تصبح 30 عاماً، بدلاً من 40، ومنحهن علاوة سنوية لا تقل عن (5%) من الراتب التقاعدي، وشددن بإعطاء المتقاعدة التي لا تمتلك هي وزوجها مسكناً قرضاً وأرضاً لإقامة منزل العمر عليها. ناصر الحمد متعددة الأغراض وامتدح "سعيد الغامدي" -مدير فرع الجمعية الوطنية المتقاعدين بالمنطقة الشرقية- وجود صندوق لدعم المشاريع الصغيرة للمتقاعدين، وعد ذلك بالضمان لرفع الدخل المادي، وقال: إن فرع الجمعية الوطنية للمتقاعدين بالمنطقة الشرقية يعكف حالياً على دراسة مشروع بالتعاون مع رجال الأعمال، عبارة عن جمعية تعاونية متعددة الأغراض من مؤسسين ومساهمين، فيما لم يفصح عن موعد البدء التقريبي لهذا المشروع، ضاماً صوته لعدد كبير من المتقاعدين بشأن رفع الحد الأدنى للراتب التقاعدي ليس ل(3000) ريال، بل تجاوزه إلى (4000) ريال؛ للمساعدة في سد شغف الحياة والغلاء المبالغ فيه من قبل بعض التجار. بناء منزل وتساءل "ناصر الحمد" -متقاعد من إحدى الشركات الكبرى-: هل تتوقع أن نظام التأمينات الاجتماعية والذي صدر عام 1389ه -أي منذ اثنين وأربعين عاماً بالتمام والكمال- طرأ عليه تغير كبير؟، مضيفاً: "لم أتمكن من استئجار سيارة؛ لأن بطاقتي الشخصية تنعتي بأني متقاعد"، متسائلاً مرةً أخرى: كيف نبني منزل أو نقترض من بنك لبناء منزل، ونحن نحمل صفة (مت قاعد)؟، فمن يحمينا ويحفظ كرامة أسرتنا؟، ذاهباً إلى أبعد من ذلك بقوله: إن هناك تلاعباً واضحاً من التجار بالأسعار، دون أدنى ريبة، مستفسراً: هل مكتوب علينا الصبر وأن نتعود من الآن على التعايش السلمي مع مفردة جديدة تدعى "التقشف"؟. الغامدي: صندوق المشروعات الصغيرة للمتقاعدين جدير بالتعميم نظام تكافلي وقال "الحمد" والعبرة تخنقه: إن مؤسسة التأمينات الاجتماعية تبلغ استثماراتها في عام واحد من السنوات (40) مليار دولار، مستثمرة في (60) شركة، ما بين قطاعات بنكية وشركات صناعية واتصالات، وأن عائدها السنوي من هذه الاستثمارات الخيالية تصل إلى 15 بالمائة على أقل تقدير أو 6 مليارات دولار سنويًّا، مضيفاً أن المفترض منها وهي مؤسسة إنسانية اجتماعية أن تطبق نظاماً تكافلياً، بالوقوف بجانبنا والدفاع عنا، بعد أن أفنينا زهرة شبابنا في خدمة الوطن عبر شركاتنا. يحتفظون بكرامتهم وفي غياب الإحصاءات الدقيقة عن عدد وأعمار ورواتب العاملين في القطاع الخاص والعام، تغيب أو تُغيب أحوالهم، لكن الإدراك العام يعطينا مؤشرات أنهم أعداد ليست قليلة، وأن الكثيرين يحتفظون بكرامتهم عن المطالبة بمعونات أو عرض أحوالهم على الآخرين، متمنين معاملتهم كجيرانهم في دول الخليج على أقل تقدير، بصرف بطاقات التموين الشهرية لقضاء احتياجاتهم الأساسية.