يخجل المتابع لإستديو النقاش والتحليل الذي تابعته لمرتين في القناة السعودية مساء إقالة المدرب بيسيرو، وبعدها مرة أخرى؛ من مستوى الحوار المتدني، والعبارات المسيئة، وكم الشتائم المغلفة، واستهزاء وسخرية الأطراف فيما بينها، وعدم المناقشة الجادة وبالذات من شخصين، وتحويل الاستديو إلى جلسة لا تحترم المشاهد، ولا تحيط بمدى وعيه، وكما قال عضو نادي النصر السابق الدغيثر إن في الوقت نفسه هناك عدة قنوات تبث برامج رياضية بإمكان المشاهد التحول إليها. ونموذج مثل هذه الحلقات هو الوجه الحقيقي للإعلام الرياضي الذي ساهم بشكل فاعل في تردي المنتخب وتدهوره من خلال الابتعاد عن الطرح الجيد، والمسؤول والبعيد عن الميول والانتماءات للفرق، ومن خلال تدني مستوى بعض الإعلاميين وتساويهم مع اللاعبين في طريقة التفكير، والطرح. لم يقدم إعلامي نقاشاً حقيقياً بعيداً عن ميوله لما جرى، أو أسباب ما جرى منذ سنوات طويلة، والدليل لمن تابع؛ أن كل صحيفة، أو إعلامي في محطة ومنذ زمن، وبعد نهاية كل مباراة يحمّل المدافع الفلاني أو المهاجم الفلاني، أو الحارس، أو، فلاناً، وفلاناً مسؤولية الهزيمة ليس لأنه فعلاً سبب الهزيمة، ولكن لأنه ينتمي إلى النادي الفلاني ولأنه لم يفز لغياب فلان من ناديه. وفي المحصلة تكتشف أن الكثيرين بعيدون تماماً عن الوعي، ويسيئون إلى المتلقي، والمحطة التي أحضرتهم، وما أكثرها! يضاف إلى ذلك غوغائية البعض وبعدهم عن المهنة وملابساتها، والدخول إليها دون أدنى معرفة لها، وبالتالي العجز عن تقديم ما يستحق أن يستوعب أو يقرأ. ومن أجل ذلك غاب المنتخب في ظل غياب اللاعبين الموهوبين وفي ظل غياب الإعلام الرياضي الحقيقي الذي يتبنى فكرة البحث والتقصي وتقديم الحلول، لكن تضاف إلى هذا التردي أسباب أخرى للفشل ينبغي التوقف أمامها ومناقشتها بعيداً عن مناقشة الفشل في كأس آسيا ولعل أبرزها: 1- غياب القاعدة منذ سنوات على كل المستويات ناشئين، وشباب، ومن ثم منتخب أول، وأيضاً فشل الفرق السعودية في الوصول إلى نهائيات بطولة آسيا للفرق وخروجها مبكراً من فرق يعتقد أنها أقل منها، الكارثة انه لم ينتبه أحد لهذا الغياب ولم يسأل أحد لماذا لم نصل إلى كأس العالم للناشئين منذ 89م ولماذا لا نشارك في كأس العالم للشباب أو الكبار لعام 2010م؟ وهذا الغياب بالمناسبة سيستمر لسنوات قد تزيد على العشر لأن القاعدة الأساسية غير موجودة! 2- غياب المواهب الحقيقية والمؤثرة في الملاعب وانشغال الناس ومتابعتهم لأرباع ومعدومي الموهبة. 3- تجاهل صعود فرق ومنتخبات آسيوية صغيرة، وتهميش العمل الجاد الذي تقوم به ضمن خطط مدروسة تدفع إلى الأمام وتناقش السلبيات ولا تغيّبها. 4- الركون إلى الماضي على اعتبار اننا أبطال سابقون وتناسي ان الحاضر هو الأساس والمستقبل هو الحلم. وتقدير الآخرين وعدم الإقلال من شأنهم! 5- عدم دراسة ما يقدمه المستشارون الحقيقيون والوقوف أمامه واستنباط ما ينبغي عمله والاستفادة من كفاءات العالم من المدربين المعتزلين والرياضيين لتطوير ما لدينا دون مجاملات أو أخذ ما نريده وترك ما لا نريده. 6- اختيار مدربين وتركهم يعملون لفترات طويلة، واقصد مدربين حقيقيين وليسوا ممن يحلون الأزمات. 7- التعامل مع كرة القدم على اعتبار انها أصبحت علماً ودراسة وليس بنظام «الله معاكم» وقادرين على تحقيق الفوز بعون الله. 8- التخطيط الفعلي للفرق والمنتخبات من خلال دراسة وضع الأشخاص الذين لهم مكان داخل الفريق أو المنتخب، ودورهم وأهميته وما سيقدمونه، فهم ليسوا مجرد أعداد هائلة ترافق الفرق دون مبرر، بل إنها تكلف الأندية مبالغ طائلة ووجودها غير مؤثر! 9- إلغاء اللجان غير الفاعلة والاستعانة بالقدرات المتميزة والتي لا يعنيها من يغضب ومن يرضى إذا طرحت رأياً جاداً وسليماً! 10- تأهيل أجيال جديدة من خلال الاكاديميات، ودفعها للاحتراف الخارجي في أي درجة في أوروبا من أجل صقل الموهبة، والتعلم وممارسة الاحتراف الحقيقي بعيداً عن أفلام بعض مدراء الأعمال واللاعبين الحاليين الذين يعرضون بين يوم وآخر ان هناك نادياً أوروبياً يريدهم والحقيقة انه لا يوجد لدينا حالياً لاعب يستحق الاحتراف في الخارج، وهو ما انعكس على المنتخب حالياً من تردٍ وسوء في المستوى. 11- إرساء مبدأ الثواب والعقاب والتعامل مع العقوبات مستقبلاً بجدية سواء في الأندية أو المنتخب من خلال تثبيت العقوبة المستحقة وعدم رفعها بحجة العفو عن اللاعب وهو ما دفع البعض للخطأ ومن ثم انتظار العفو! 12- خصخصة الأندية واعتقد انها ينبغي أن تكون خطوة متقدمة في الإصلاح من أجل التعامل باحترافية كاملة مع اللاعبين ودفعهم لمعرفة ما لهم وما عليهم بعيداً عن هيمنة بعض أعضاء الشرف، وأيضاً تكليفهم مادياً، وتعاطف البعض مع لاعبين وفرضهم من منطلق ما يقدمونه للنادي وإلا تم قطعه! 13- الارتقاء بمستوى الإعلام الرياضي من خلال تنظيم الدورات، وايضاً إخراج بعض الصحف من نمطية الميول والانتماءات، وفتح أبوابها لكل الأندية. 14- من أجل تطبيق نظام احترافي حقيقي ينبغي تدريب كل لاعب محترف على ذلك بتنظيم دورات في الأندية والاتحاد السعودي لكرة القدم قبل أن يصنف على أنه محترف، وعليه أن يدرس أهم ما ينبغي ان يكون عليه اللاعب المحترف ويعرف واجباته ومسؤولياته، وكيفية التعامل مع الاحتراف، وأيضاً على الأندية تكليف اللاعبين بالبقاء داخلها لفترات طويلة كما تفعل الأندية الأوروبية ومحاسبة اللاعبين على التأخير، والتقصير، والتدخين، والانشغال بأمور لا علاقة بها بالاحتراف قبل أن يطالب اللاعب بحقوقه! 15- التوعية الكاملة للاعبين لأنه لا مكان لمن لا يعي حقيقة ما يجري على الأرض ولا مكان لمن يعتقد أن الكرة ركل بالقدم فما يتم تناقله حالياً كارثي بالمعنى المفهوم، ويعيدنا عشرات السنين إلى الخلف ويساهم فيه الإعلام الرياضي بكل قوة حيث بدأ بعض اللاعبين يعزون فشلهم إلى العين، أو السحر، فاللاعب الذي لم يسجل يقول إن الشيخ قال له لديك عين، واللاعب ضعيف المستوى لديه عين حتى المدربين المحليين دخلت فيهم العين، الغريب أن ميسي لم تدخله العين! وأخيراً مادامت الصورة الحالية للمنتخب والفرق واللاعبين مطبوعاً عليها ما مضى، ومختوما عليها بالانتماء إلى ألف كارثة وكارثة، فهل ننتظر وجوهاً أخرى بمكونات من تراب آخر؟ وهل ما كان سيكون قوة ضاغطة تحرك الساكن؟ أم أننا سنظل نرمق الأفق البعيد دون أن نصل إلى تحديد أي جهة من الجهات الأربع!!!